يقول علماء النفس بأن هناك أمران لابد من إشباعهما عند الإنسان ليبقى سويا هما ( الجنس ، والشعور بالأهمية ) ، فأما الأول فلا مشاحة في ضرورته ، فقد أخبرتنا الغريزة الحيوانية بأهميته وباتت – في مجتمعنا- هي المحرك الأول للعقل بدلا من أن يمسك بزمامها ويوجهها ويقنن سلوكها كما شرعت الشرائع والأخلاق والتقاليد .. وصار البحث عن الجنس ( متعة حديث ، مزاح ، ثقافة ، شهوة جسدية ، مغامرات ، إظهار فتوة ، انتقام ومكائد ، تقضية فراغ ، دخول في عالم المجهول) ظاهرة مقبولة في كل أطياف المجتمع من كبار السن إلى المتدين إلى النساء إلى الأطفال والفتيات والذين اتخذ كثير منهم جهاز الجوال مخدع لمشاهد من ليالي ألف ليلة وليلة .. وصار التفكير جنسيا ، والرؤية جنسية ، والرغبات جنسية ، والمحادثات الحميمية جنسية ، والشكوك في الجنس ، والسفر للجنس ، والانقطاع بشأن الجنس ، والتجمل وتغيير الإهاب بدافع جنسي ، والصراع وتنفيذ الحدود – في أغلبها – لأسباب جنسية ، وتسكع الشباب في الأسواق والأماكن العامة رغبة في للجنس ، وكثير من النكات المتداولة في الجنس .. و.. و.. فهل المحرك الأول للعالم هو الجنس وبالتالي مجتمعنا إذا ماأعتبرنا رؤية الجمال جنسا ، ورائحة الطيب جنسا ، والصوت النسائي الرقيق جنسا ، والحب جنسا .. ؟ في الحقيقة أقول نعم ! خاصة إذا ماعددت الجنس رؤية أشمل من الممارسة الجسدية ، مع أن كل أطيافه تفضي إلى ذلك كما يقول ابن القيم في ( روضة المحبين ) وابن حزم في ( طوق الحمامة ) ، وهذا لاينفي قناعتي بالسعار الجنسي الحيواني المخيف الذي يجتاح مجتمعنا في السنوات الأخيرة .. فهل هذه ضريبة الترف ؟ أم ضريبة الجهل وطغيان شهوات الجسد واختفاء ثقافة الفكر والعلوم والمعارف والفنون ؟ لاريب أنه عندما يدخل الترف في مجتمعات متخلفة لاتقدر قيمة المال وكينونة الإنسان فإنها أول ماتستجيب لشهواتها حتى تفنيها ، فهي لم تصنع المال ، ولم تصنع النتاج الذي عاد بتلك الوفرة من عائدات الذهب وكنوز الأرض ، ولذلك فلا قيمة لشيء عدا قيمة الفحولة التي هي علامة من علامات تفوق المجتمع البدوي .. أما العقلاء فقد توجهوا إلى \" المسيار \" و \" الزواج بنية الطلاق \" ، وصاروا في سباق مع الزمن ، وليتمكنوا من فوات السنين العجاف ، وراحوا يقفزون من بيت إلى آخر ، فراجت سوق \" الخطاب \" و \"الخطابات \" وصرن في عرش السيادة وسمسارا لعقارات مدن هوليود وحدائق بابل المعلقة .. وجاء الفحل يفكر بكنوز قارون وقلائد الفراعنة مخلفا الجمل بما حمل ليتمرغ بنعيم الحب الزائل وأحضان اللحم الأبيض يصدقه الجسد ويكذبه القلب ليقوم من بعدها في حسرة مجهولة وكآبة باردة، فقد نسي محفوظاته وجهل معنى الحب وأنساه عواء الكلاب ماء الحياة الذي يترقرق في الصدور والعيون ، وراح صديقنا ينوء بحمل بيتين وأبناء في الشوارع ، وتشتت في التفكير وتفكير في اللذة القادمة التي أصبحت عقابا طبيعيا لامفر منه .. اختصرنا الجنس في اللذة البهيمية فصار له معنى واحد وصار خرابا للبيوت وفسادا عقليا للمراهقين والمراهقات وعقدا نفسية للأطفال الذين تمارس عليهم الضغوط والنظرات الجائعة في كل مكان ، ومن بعدها تبقى تلك الأجساد في حاضنات لابتزاز غيرها أو بانتقام لسبب غاص في اللاشعور إلا من رحم رب العالمين .. وصار مالم يكن في بلاد العالم كلها و في التاريخ أن نقرأ ونسمع شبه يومي عن اختطاف حدث وجريمة زنا بالقوة ، واستقدام الخادمات الجميلات ، وصارت \" السياحة \" في الخارج مرادفا لمعنى آخر دقيق ومثير ، وبقيت مهمة بعض محلات تقنيات الاتصال استحلاب سحب السماء المتجهمة ، وبقي الترفية والثقافة صوب الجسد لاغير .. هل الكبت هو السبب ؟ وهل الشعور بانتقاص حق مشروع في الحرية الشخصية وراء الانهيار الشهواني هذا ؟ أم الكبت الثقافي والفني وكبت الحريات في استقدام المسرح والسينما وكافة الفنون والجمعيات وحرية النقابات هو السبب ؟! إن اجتماع هذه العوامل مجتمعة مع أسباب خاصة بالإنسان تولد هذا التشوه الأخلاقي ، ولاشك أننا نحمل الكبت الوزر الأكبر تجاه تلك القيم المنحطة في مجتمع يدعي الفضيلة والرقي الأخلاقي والاتزان والوسطية . والكارثة بعد هذا أن هذا المراهق المتأخر يزداد كل يوم كآبة بعد كآبة لا لسبب إلا أن محاولاته باستدراك مافاته من متع ، لكن المتعة ولت هاربة لتبقيه في حسراته ، ونسي أن المتعة في الحب وحياة الحرية الحقيقية ، فما معنى الحرية أيها الناس ؟ مامعنى الحرية ؟ حبيب بن أوج [email protected]