تحدث العديد من الزملاء الكتاب وعلى مدى عدة أسابيع عن ظاهرة خطيرة بدأت تغزو مجتمعنا وتزداد , ألا وهي بيع الشهادات العليا سواء الماجستير أو الدكتوراه , بمبالغ زهيدة جدا , وربما تكون أرخص من بعض بضائع حراج بن قاسم أو المقاصيص أو الصواريخ , بل وكانت في السابق تباع في الخفاء وخارج الوطن , حتى أن الكثير من غير المختصين يعتبر ما يسمعه عنها قد لا يصل إلى درجة الحقيقة , لكن القائمين عليها ومن باب التخفيضات الموسمية , ومن مبدأ طيبة وسذاجة بعض ... أقول : بعض وليس كل أبناء بلدي العزيز , فقد قام بافتتاح فروع لها في بعض المدن الرئيسية في شقق قد يكون قد استأجرها بمبلغ زهيد على أنها سكن عمال أو مستودع بضائع من فصيلة مستحضرات التجميل أو العطورات أو الشامبوهات , ونحن هنا كمواطنين ومسؤولين يا غافل لك الله , وكأننا لا نعلم شيئا , وعلى غرار شقق الدعارة , بل وعلى غرار استخراجهم رخص القيادة بعد أن يقتل الواحد منهم بضعة أشخاص في مجموعة من الحوادث , وكأنهم يتعلمون الحلاقة في رؤوس اليتامى , في الوقت الذي لا يستطيع أن يفعل ذلك في بلده . و كما ذكرت في مقال سابق وقلت : إن جوابهم هند أي سؤال هو : (( افعل ما شئت فأنت في السعودية )) , أو على لغتهم المكسرة ( سعودي مسكين .... سعودي ما فيه معلوم ) . المهم عودا على بدء , وفي موضوع بيع أو دكاكين الشهادات العليا , فلم يقف بحزم أما م هذه المهازل سوى وزارة التربية والتعليم بقيادة معالي وزيرها الدكتور / عبدالله بن صالح العبيد والذي أصدر أمرا بأن يتم كشف هؤلاء عبر عدم مخاطبتهم بالخطابات الرسمية بموجب تلك البضاعة المزجاة , وإنما تتم مخاطبتهم بما لدى الوزارة لهم من مؤهلات تم الاعتراف بها , والذي أرجو أن يدخل حيز التنفيذ , بدلا من أن يكون حبرا على ورق , ومكانه أدراج المكاتب والأرشيف , مثل غيره من مئات القرارات التي نقرأها كل يوم , ثم نجد نقيضها من الغد , وذلك كله من أجل الحفاظ على ما تبقى من سمعة حسنة لحاملي تلك الشهادات الحقيقيين , والذين أبلوا بلاء حسنا وبذلوا الغالي والنفيس من أجل تحقيقها , بل ومن أرقى الجامعات الأجنبية والسعودية , حتى نستطيع أن نحافظ على البقية الباقية منها , ومن هنا فإني أعتقد جازما أن وزارة التعليم العالي بالتعاون مع وزارة الخدمة المدنية معنية بهذا الأمر بالدرجة الأولى من خلال أي إجراء يقضي على تلك الظاهرة , بل وتعمم الجامعات المعترف بها لتكون في يد كل من طلبها , وخصوصا وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة , ولا يكتب لقبه إلا إذا تم الاعتراف بشهادته , حرصا على كشف هؤلاء السماسرة وفضح الدكتور / ورق بن ورق , بل وأتمنى أن يتم تعميم ذلك على الصحف السعودية لتكون على علم بذلك ومن أجل فلترة هذا الغثاء والوباء . ثم انني أتساءل بكل براءة وأقول : هل نقارن بين شهادة ماجستير أو دكتوراه من جامعة كجامعة هارفارد أو السوربون أو أكسفورد مثلا , وبين شهادة من شقة بأحد أحياء الرياض يصرفها مقيم عربي كل رأس ماله جهاز حاسوب وورق فاخر , بل وعلمت أن بعض المتنفذين في الجامعات قد سبقوا الجميع في أسلوب أرقى من هذا الأسلوب وتم العمل به منذ سنوات , بل ودون أن يدفع الواحد منهم ريالا واحدا , إنما على حساب الجامعة , حيث يتعاقد مع من يعتقد أنه بارع في تخصصه , ويفرّغه حسب سلطته في الجامعة لإعداد بحوثه للترقيات إلى أستاذ مشارك ومن ثم أستاذ ( أي يرو فيسور ) , وتعلمون ما قيمة هذا اللقب الذي يعتبر أعلى لقب أكاديمي !! ختاما ومع مناداتي بأعلى صوتي لمن يهمه الأمر للوقوف بحزم أمام هذا المد السرطاني , فإن شر البلية ما يضحك , خصوصا إذا كان الضحك كالبكاء , إذ أني حزنت كثيرا على روح رجل عبقري قضى نحبه منتحرا لعدم تحمله ما جرى له , حيث ذكرت صحيفة ( شمس ) السعودية نقلا عن عدد من الصحف المصرية نهاية الأسبوع الماضي أن شابا مصريا تميّز بالعبقرية والذكاء الخارق , لكنه أمام ضيق ذات اليد لم يستطع أن يكمل دراساته العليا في أي جامعة مصرية , بالرغم من أنه يملك بحثا قويا ومتمكنا في تخصصه , وفي هذه الأثناء علم أن إبن أحد الأثرياء السعوديين يريد أن يحصل على حرف الدال السحري بأي وسيلة كانت , من أجل أن يضعه ضمن ديكور مكتبه في مؤسسته التجارية حتى يكون أمامه لوحة جميلة عندما يرأس اجتماع الشركة يسبق إسمه فيها عبارة ( الدكتور فلان الفلاني ) , فعرض هذا الشاب المصري على السعودي أن يمنحه هذا البحث مقابل حفنة من الجنيهات , فوافق على ذلك ودفع له المبلغ على أن يقوم الشاب المصري بكل المستلزمات ابتداء من التسجيل في جامعة يختارها مرورا بالكتابة والطباعة والتجليد , ثم تدريسه لمحتواها حتى لا ينفضح أمره خلال المناقشة , وتم الاتفاق على كل شيء وسجلت وطبعت وغلّفت , وجاء يوم المناقشة الموعود وتم الإعلان عنها في أروقة الجامعة وجاء ابن الثري السعودي بكامل زينته وأناقته ومعه أهله ومحبوه الذين أسكنهم أفخم الفنادق , وجاءت ليلة المناقشة التاريخية وحضرها جمهور غفير مطبّل , كان من بينهم هذا الشاب البائع لأمانته والخائن لها في آن واحد , لكنه طوال المناقشة يعيش في تفكير عميق وقلق لأنه يجمع بين الندم على أن من يجني ثمرة جهده هو من لا يستحقه , وبين تأنيب الضمير لخيانته الأمانة العلمية من أجل حفنة من الجنيهات , وظل على هذه الحال حتى انتهت المناقشة , وغادر القاعة فور انتهاء الدكتور السعودي المزيّف وحصوله على اللقب العلمي زورا وبهتانا , لكنه لم يذهب لمنزله ليرتاح بل عمد إلى اختيار الراحة الأبدية التي قد لا ينالها إلا إن شمله الله بعفوه ومغفرته !! أتدرون أين ذهب ؟ ذهب إلى أعلى جسر فوق نهر النيل والقى من بنفسه من أعلاه ومات شهيدا للشهادات العليا المزيّفة أسعد الله أوقاتكم عبد الرحمن بن محمد الفرّاج الإيميل [email protected]