بسم الله الرحمن الرحيم التطرف الفكري لدى البعض ناتج عن قصور تربوي في الصغر كما يعلم الجميع أن حياة الإنسان تمر بمراحل متعددة ، وتطورات مختلفة في نموها العقلي والجسمي . وسيكون اهتمامنا منصبا على النمو الفكري ، والعقلي ، والعاطفي للطفل ؛ لأن الأفكار المكتسبة التي يتغذى عليها الإنسان منذ نعومة أظفاره من مصادرها المتعددة التي تحركه بدون وعيا منه عند الكبر . والإنسان عادة تتبرمج و تتشكل أفكاره وصفاته الشخصية من مرحلة الطفولة المبكرة . وما التصرفات المنحرفة والضالة التي اكتوينا بها من قبل فئة في مقتبل العمر إلا مثالا على تبلور عقولهم على العنف والإجرام . ولكن قد يتبادر إلى الذهن تساؤل محير حول كيفية تغلغل هذا العنف الفكري إلى عقول وسلوك هؤلاء الشباب حتى اصبحوا أداة طيعة لينة في أيدي العابثين والمفسدين يتصرفون بهم كيفما أرادوا منفذين مآربهم الشريرة على هذا البلد عبثا و إفسادا ؟ كيف استطاعوا أن يغرروا ويستدرجوا هؤلاء الشباب الغض والمقبل على الحياة ليصبحوا قنابل موقوتة ضد بلدانهم تدار عن بعد ؟ انه بالفعل تساؤل محير يحتاج إلى دراسة وتحليل وتمعن لنستطيع من خلاله أن نحمي أجيالنا القادمة من أي فكر دخيل منحرف ضال تتسرب إليهم لا سيما في عصر اتسم بالعولمة الفكرية والحرية والانفتاح على العالم بسيل جارف من المعلومات التي تأتي إلينا بغثها وسمينها عبر وسائل الاتصالات المختلفة والتي تستدعي منا إلى فلترتها وتنقيتها من الشوائب لنقي ونحمي أبنائنا وبناتنا من ملوثاتها ولنجعل منهم أعضاء بانية لا هدامة لأوطانهم . و السبب الأكبر في عدوانية الإنسان ترجع في الأساس إلى مرحلة الطفولة المبكرة كما ذكرنا سابقا والتي فقد بها الاهتمام والمتابعة والتوجيه من قبل أسرته ومدرسته ‘ لان البعض قد يعتقد أن التربية قاصرة فقد في النواحي المادية المحسوسة وذلك بتوفير المأكل والمشرب وسبل الراحة والرفاهية للطفل أو المراهق فقط إلا أن ما يحتاجه من تربية وتوجيه و إرشاد اكبر واعمق من حاجاته الفسيولوجية وربما تساويها أو تفوقها في الأهمية لتتكون لديهم الأجسام المضادة التي تحميهم من أي جرثومة تحاول أن تخترق فكر هذا الإنسان الغض أو تحاول أن تغزوه في حاضره ومستقبله . ولن يتم ذلك إلا إذا استشعر المربي عظم هذه المسؤولية وقناعته بأنه هو اللبنة الأساسية في تفعيل العمليات التربوية السليمة وغرس المفاهيم والمبادئ الصحيحة والأخلاق الحميدة في عقول وقلوب الأبناء . و الأسرة هم أول من يبذر بذرة الصلاح في نفوس أبنائهم ولابد لهذه البذرة من تعاهد بالرعاية والعناية لتنمو وتصبح شجرة مباركة يعم نفعها على الجميع . أما أن يترك الأبناء مهملين تتجاذبهم وسائل العولمة بحرياتها المطلقة تأتيهم من كل حدب وصوب فإنه ولا شك سوف تتلقفهم رياح الحرية محملة بالبذور السامة والتي ستجد فيهم أرضا خصبة واستعداد فكري ونفسي لها نتيجة الاهمال والضعف الرقابي فتنغرس فيهم و مع مرور الزمن بتراكماتها الثقافية المختلفة وبدون أن يشعروا أو نشعر ستجد طريقها للنمو حتى تكبر وتصبح شجرة خبيثة تقتل كل من يستظل بظلها وتدمر كل من يأكل من ثمرها ... أعزائي القراء دعوني وإياكم في عجالة نحلل هذه البذور السامة الموجهة لأطفالنا ونتعرف على بعض مكوناتها القاتلة والتي غلفت بشيء من العسل أو السكر ليقبلوا عليها بدون أن يعوا خطرها مستغلة غفلتنا وإهمالنا لهم ، ولنرى مدى تأثيرها في المستقبل ، فمنها على سبيل المثال لا الحصر :- 1- الألعاب الإلكترونية :- والمراقب لهذه الألعاب الأسطوانية – كالبلايستيشن مثلا- يكتشف ما بها من بذور الشر التي تدس للطفل من خلال اسطوانات يتم الحصول عليها عن طريق المحلات الغير مراقبة من الجهات المسؤولة أو عن طريق الإنترنت التي غفلت الأسرة عن رقابة أبنائها فغرست فيهم فكر العنف وبرمجت سلوكهم إلى أن بالقوة والفتوة والذكاء يحصلون على كل ما يريدون مستبعدين القيم الأخلاقية ومضعفة في نفوسهم الحس الديني المنضبط والإنساني اتجاه الآخرين . فمثلا تجد أن في إحدى اسطواناتها لعبة تصور لك مجرما وهو مفتول العضلات يطلقون عليه - بطل اللعبة - يقوم بإطلاق النار على رجال الأمن الذين يلاحقونه من مكان إلى مكان وهو يكر ويفر باستعمال مفاتيح التوجيه من قبل الطفل يحركها كيفما يشاء ويستعمل براعته ليستطيع أن يتسلل إلى متجر أو منزل من خلال هذا المجرم الذي تقمصه الطفل فيأخذ ما يريد ليحقق الفوز بوصوله إلى نقطة النهاية بدون أن يصاب بأذى ويكون محملا بنقاط كثيرة لتوفر له أنواع شتى من أسلحة الفتك والدمار لتجعل منه إنسانا بطلا شجاعا مغوارا ليكتسح بها كل من يقف أمامه مما يعطي الطفل نشوة الانتصار والفرح والسرور عند بلوغ مراده ... وألعاب غيرها كثيرة من العاب العنف والقتل والتفجير والتي تحرض الطفل على العنف الفكري والسلوكي ومثلها أيضا العاب المصارعة والتسلل من اجل القضاء على الوحوش أو أي خصم من الخصوم وبصور مرعبة تارة أو بأجساد فاتنة عارية تارة أخرى يعكسون بها المفاهيم ويجعلون كل فعل شرير بطوله وشجاعة وكل رذيلة فضيلة ... فبالله عليكم أخواني القراء ماذا سوف تغرس هذه الألعاب من قيم ومفاهيم في نفوس النشء؟ ألن تغرس فيهم حب العنف واستعمال اليد في فرض الرأي ؟ ألن تجعل منهم دمى تتقاذفها أخلاقيات الرذيلة وحب الدماء ؟ ألن تضعف في نفوسهم هيبة النظام ورجاله ؟ أي فضيلة سوف تغرس هذه الألعاب في نفوس أبنائنا ؟ إن ضعف الرقابة وعدم الاهتمام من قبل الأسرة في حسن اختيار المادة التي يلهو بها الطفل فإنها ولاشك سوف تبرمج عقولهم إلى سلوك مستقبلي لا يحمد عقباه . 2- القنوات الفضائية الموجهة للأطفال :- مثل أفلام الكرتون الموجهة و التي تعتمد في عرضها على القوة والانتقام والمغامرة والخيال في القضاء على الخصم أو ببث أفكار وقيم بعيدة كل البعد عن ديننا وعاداتنا ومبادئنا لتغرس في عقول أبنائنا معتقدات منحرفة لتصبح هي الموجهة لهم في سلوكهم المستقبلي الغير سوي بدون أن يشعروا بها لأن العقل الباطن يترجم ما يخزن به في مرحلة الطفولة المبكرة إلى سلوك ودوافع بإيجابياتها و سلبياتها وقد بينت إحدى الدراسات أن الطفل يشاهد مشاهد العنف بنسبة كبيرة تفوق البرامج الأخرى ... وهذا ناتج عن غياب الوعي الرقابي لدى المربي والذي يظهر أثره السلبي على الأبناء فتأسرهم نحو سلوك مبرمج يصعب التخلص منها ... 3- الاختيار السيئ لألعاب الأطفال :- الأسواق تغص بأنواع شتى من أنواع الألعاب والمراقب لها يجد التركيز الشديد على العاب وسائل القتل والفتك والدمار بأنواعها مثل المسدسات والرشاشات والمتفجرات والسكاكين والسهام والسيوف والمدرعات وسيارات السباق وغيرها ... وقد يحتار الوالدان الواعيان عندما يريدان أن يختارا لأبنائهما لعبة مناسبة فلا يجدا غير هذه الألعاب التي تنشئ الطفل على العنف وتقليد ما يشاهده من أفلام عبر الفضائيات ويطبقها على اخوته أو أصدقائه من باب التمثيل رغم أنها العاب بلاستيكية ولكنها تعتبر وسيلة تدريبية يتعود عقل الطفل عليها ويعتقد بها أنه يمكن أن يحقق بها أمانيه و مبتغاه مهما كانت ومما زاد من الطين بلة تخلي الوالدان عن المشاركة في شراء اللعبة وترك الحابل على الغارب لهم ليشتروا ما يحلوا لهم بدون أي توجيه أو إرشاد حول اختيار اللعبة المناسبة لأنه بالفعل وجد أن اللعبة تربي الطفل وتغذي فكره نحو الحياة وبحسن اختيار اللعبة المناسبة فإنها ولابد سوف تغرس فيهم الصفة حميدة التي نريد أن يكونوا عليها . ومن العجيب عندما تسمع من أحد الوالدين عندما يقول لك دع الابن يكون حرا في اختياره !!! ويردف قائلا دعه يتدرب ويتعرف على أدوات العنف ليكون رجلا صلبا يعتمد عليه !!! فهل الصلابة تأتي بطريقة العنف والبطش باستعمال أدواتها والتدرب العفوي عليها ؟ وهل هذا هو المكان المناسب والطريقة المناسبة والعمر المناسب لتعليمهم عن كيفية استعمال أدوات العنف ؟ صحيح أن نترك لهم الحرية في الاختيار ونزيد من قدرتهم على اكتشاف مواهبهم بأنفسهم ولكن يكون ذلك بقيود تربوية محددة ... صحيح أن نسعى لتعليمهم أشياء تزيد من لياقتهم وصحتهم البدنية لتنعكس على سلامة وصفاء عقولهم ونفسياتهم كتعليمهم الرماية والسباحة وركوب الخيل كما أوصى بها نبي هذه الأمة عليه السلام ولكن حتى هذه تكون في أعمار مناسبة مميزة ومدركة وتكون في أماكن معينة وتحت أيد مدربة واعون عارفون متقنون لأخلاقيات هذه الفنون الرياضية لينقلوا لهم أخلاقياتها ومبادئها بخبراتهم وعلمهم وباتزان عقلي وعاطفي لان الأطفال بطبعهم كتلة عواطف فهي التي توجههم وتؤثر فيهم إذا لم تضبط أو إذا ما تعرضوا لأي مؤثر خارجي وبأيد غير عارفة فإنها لا محالة ستكون سببا في تغيير سلوكهم للأسوأ خلال مسيرة حياتهم . فمن خلال هذه الأمثلة وأمثلة أخرى نجد أن الشخصية العدوانية يكتسبها الإنسان منذ الصغر نتيجة ما يغرس فيه من مواد محفزة لهذه النزعة والتي من المفترض أن يعمل المربون على تهبيطها والعمل على اتزانها لان أن يتركوا لتلك الأفكار السيئة التي تغذي عقولهم فتصبح هي القائدة لسلوكهم المنحرف الذي به يضرون نفسهم و أهلهم ومجتمعهم الناتجة عن إهمال المربين وترك الحبل على الغارب لهم تاركين أيدي العبث تطولهم وتعبث بعقولهم كيفما شاء وهم صغارا لا يدركون ما يحاك لهم ليسهل على أهل الضلال السيطرة عليهم وهم كبارا و يقودوهم إلى أهدافهم الشريرة والتحكم بهم وتوجيههم عن بعد ليصبحوا أداة غدر تغتال استقرار بلدانهم محققين أهداف الأعداء الذين سهروا على تربية أبنائنا متنازلين لهم عن مسؤولياتنا اتجاه تربيتهم التربية الصالحة والنتيجة هي بالفعل وخيمة كما شاهدنا نتائجها على بلدنا الآمن المستقر الطيب بأيدي شبابنا حديثي السن استدرجوا نتيجة بعدنا وغفلتنا عنهم وتسليمهم للخادمات والألعاب والقنوات الفضائية والإنترنت تقوم على تربيتهم حتى اصبحوا عبيدا لأعدائنا ومعول هدم ودمار لبلدنا منفذين ما يطلب منهم بدون أي تفكير أو اعتراض ... أعزائي القراء إن المسؤولية جسيمة اتجاه أبنائكم انهم فلذات أكبادكم يحتاجون منكم حسن التربية والرعاية والاهتمام أنكم مسؤولون أمام الله عز وجل عن ما وليتم به لقوله عليه الصلاة والسلام ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ... ) فالمسؤولية عظيمة وخصوصا في هذا الوقت الذي نشهد فيه كثير من المتناقضات والانفتاح على العالم التي ربما تربك العقول الغضة وتتسبب في إبعادها عن جادة الصواب إذا ما كنا عونا لهم لنضيء لهم الطريق ويكونوا على وعي وأدراك فيما يدور من حولهم ليستطيعوا أن يميزوا ما بين الفكر الصحيح والفكر المنحرف لاسيما وان أعداءنا تكالبت علينا من كل حدب وصوب يريدون النيل منا ومن ديننا وسوف ينجحون إذا استمرينا في إهمالنا لهم ولا ننسى أيضا عظم مسؤولية الدعاة و أهل الاختصاص التربوي والنفسي والاجتماعي وجميع المربين في المؤسسات التربوية والتعليمية أن يكونوا عونا للأسر في توجيههم و إرشادهم إلى الأصول السليمة في التربية وان يكونوا شمعة مضيئة لعقول أبنائهم ليعرفوا الحق من الباطل ويلبسوهم الدرع الواقي من كل سهم مسموم ... اسأل الله تعالى أن يزيد من وعي كل مربي وان يكون على إدراك في عظم المسؤولية الملقاة على أعناقهم وإنها أمانة ثقيلة تحتاج إلى قوة عزم وصبر وإخلاص لنحافظ عليها ... و أسأل الله أن ينجي بلدنا من كل مفسد ومضل ويحمي أبنائنا من عبث العابثين انه جواد كريم وبالإجابة جدير و الحمد لله رب العالمين ......