تعتبر دولة الكويت الشقيقة متقدمة نسبيا في تجربتها الديمقراطية قياسا بالدول الخليجية الأخرى، بل والعربية .. حيث تم وضع دستور وتأسيس برلمان أو مجلس نواب في وقت مبكر ، مما جعل كثير من مواطني مجلس التعاون ينظرون بإعجاب إلى تلك التجربة الديمقراطية المعدلة بما يتناسب وتكوين بلد عربي مسلم. في حين ينظر البعض الآخر إلى تلك التجربة بتوجس وريبة ، باعتبارها مخترعا غربيا لا يمكن أن ينجح في بيئة عربية ، متخوفين من أن يغري نجاح تلك التجربة دولهم بالسير على منوالها. ولذلك فقد تنفس الصعداء أولئك الذين يتوجسون خيفة من نجاح تلك التجربة ، في الفترة الأخيرة من عمر مجلس الأمة عندما تعرض إلى كثير من الأزمات التي أدت إلى حله مرات عديدة ، نتيجة عدم التوافق أو الصدام بين السلطة التشريعية ( مجلس الأمة) والسلطة التنفيذية ( مجلس الوزراء) والوصول إلى طريق مسدود في ظل إصرار بعض أعضاء مجلس الأمة على الاستجوابات ، وحجب الثقة عن بعض الوزراء كوزير الإعلام والنفط مثلا . ويرى أولئك المناوئين أن المجلس معيق للتنمية ، ومعرقل لأداء السلطة التنفيذية في أداء برامجها . ويقولون أننا كعرب مجتمعات قبلية، وشعوب ينقصها الوعي ، ولذلك لا يصلح معها الأسلوب الديمقراطي. ويرون أن المجالس المنتخََبَة تتحول عادة إلى تكتلات عشائرية ، وقبلية وربما طائفية مقيتة ، كما أن العملية الانتخابية ذاتها يشوبها كثير من المحاذير ومنها شراء الأصوات والذمم. على الجانب الآخر نجد المعجبين يعددون إنجازات المجلس، ومواقفه ، ودوره في ترشيد الإنفاق العام ، والقضاء على أو الحد من الفساد ، وضبط أداء القطاع العام ، وتبنيه للعديد من المطالب الشعبية والمشاريع والبرامج التي تحقق رفاهيته . كما أنهم يعتقدون أن أي خطأ في التطبيق يمكن تلافيه ، فضلا عن أنه يحدث في كثير من الأنظمة. مثلما يدعي الاشتراكيون مثلا أن فشل الاشتراكية لا يعود إلا خلل في النظرية ، أو قصور ذاتي في مبادئها وآلياتها ، وإنما إلى خلل في التطبيق ، وعجز الكوادر المنتمية إليها عن الوصول إلى التطبيق السليم لها.. إن عيون مواطني مجلس التعاون مازالت معلقة على و شاخصة إلى مجلس الأمة وأدائه ، بين رغبة ورهبة ، لترى ماذا تسفر عنه تلك التجربة المديدة من نجاح أو فشل ؛ منهم من يتطلع إلى نقلها لبلاده ، ومنهم من يتمنى أن لا يحدث ذلك ، ومنهم من يترقب ليتأكد من مدى نجاح هذا الشكل من الحكم في البلاد العربية التي مازالت في معظمها ترزح تحت عادات وتقاليد بالية ، ومازالت ولاء آتهم للقبيلة والطائفة حاضرة ، وربما أكبر من ولائهم للوطن . يتزامن ذلك مع المد الديمقراطي العالمي المدعوم من قوى عظمى ، يرى مفكروها ( فوكوياما على سبيل المثال ) أن التاريخ انتهى وتوقف عند النموذج الديمقراطي في الحكم ، وأنه المصير المحتوم الذي تسير إليه المجتمعات !!! كمواطن سعودي ، خليجي ، عربي ، مسلم أتمنى كل الخير للعزيزة الكويت ، وأن ينجح النظام النيابي الذي ارتضاه حكامه وأهله، وأن يعبر زورق مجلس الأمة إلى بر الأمان ، ليثبت أن المواطن العربي قادر على تحمل المسئولية ، وتبعات الحرية ، بعيدا عن المنزلقات الحزبية ، والمصالح الضيقة ، وإملاءات القبلية ، والطائفية المقيتة . ولا يعني نجاح مجلس الأمة حتمية نجاح التجربة في مكان آخر من وطننا العربي ، فلكل بلد ظروفه وتجربته التاريخية الخاصة ، يستمد منها ومن التجارب العالمية إبداع الشكل المناسب ، الذي يتيح للمواطن المشاركة في صنع القرار ، والمساهمة في بناء الوطن . وقد يكون مجلس الشورى في المملكة شكلا مناسبا للمرحلة التاريخية التي يمر بها المجتمع السعودي ، خاصة وأنه يتطور تدريجيا بما يتوافق مع ثقافة المجتمع ودرجة وعي أفراده ، مما سوف يؤدي إلى تعزيز صلاحياته ، وتطوير آليات اختيار أعضائه ... قطرة مطر: تأملت ملامح كل جميل في هذا الكون ، ولم أجد أجمل ولا أنبل ولا أجل من ملامحك يا وطني ، وستقصر مخالب الأشرار عن تشويه تلك الملامح ، فصورتك البهية محفورة في ثنايا الذاكرة وفي سويداء القلب.