إلى أمي الحنون.. يا من كنت ملاذي الآمن، وقلعتي الشامخة، وحضنا دافئا يُشعرني بالحنان. يا من تكبدت آلام حملي مع آمال بري، يا من سهرت معي الليالي الطوال في مرضي، ولم تذق عيناك طعماً للنوم أبداً. يا من كانت فرحتك لا تسع الأرض ومن عليها حينما بدأت أنطق أول كلمة (ماما)، وحينما بدأت رجلاي بأولى خطواتي المتعثرة. لا زلت أذكر فرحتك بدخول المدرسة، وكم كان قلبك رقيقا حينما كان إصرارك بتأجيل دراستي رحمة وضعها الله في قلبك من أجلي. ما زلت أذكر وأتذكر كلما فرحت، كان فرحك من فرحي، وحزنك من حزني، ولا أدري كيف ذلك يكون! أمي.. أتذكر بهجة خاطرك حينما فرحت بإعلاني طلب البحث عن الزواج، وقمت بتذليل جميع السبل والبحث بشكل دقيق عن ابنة الحلال التي قد تأخذ منك ابنك عنك، ولا أحد يعرف صحة ذلك من عدمه. ومع ذلك أمرتِ بالتمحيص عن أفضلهن ديناً وخُلُقاً وخَلِقَة، فكان المراد موجوداً، والفؤاد مسؤولاً. أمي.. أعرف مرارة الألم التي قد تصدر من سفاهة ألسنتنا ودناءة عقولنا حينما نلامس باب العقوق والهجران، وذلك ليس بأيدينا في كل الأحيان. أمي.. ما زلت أتذكر حينما أعود إليك طاوياً سفراً قاصداً فرحة مكوثي عندك الليالي الطوال، ويحزنك فراقي - وإن كنتِ لا تبديه بملامحك - لكن لسان حالك يقول: ليتك تقيم لدينا السنين الطوال! أمي.. يا روح قلبي، يا نظر عيني، يا قصة حبي، يا ملاك حياتي.. سامحيني إن قصرتُ في وصالك.. سامحيني إن أخذتني الحياة بزخرفها، والأشغال بكثرتها. أرجوك يا أماه.. لا تعتقدي لو للحظة واحدة أن أتناسى طيب المعشر وكريم الظفر بلقياك. كيف أنسى وربنا سبحانه يقول: {وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}. أمي.. سامحيني، عسى ربي أن يتجاوز عني. فهد المرزوق