نشرت صحيفة الوطن أمس خبرا حول ضبط المباحث الإدارية رئيس لجنة التعديات في مكةالمكرمة بصحبة مسؤول آخر عن التعديات وهما يتقاضيان رشوة من مواطن لغض النظر عن بعض التعديات على أراض حكومية! وهذه ليست المرة الأولى التي تنجح فيها المباحث الإدارية في الكشف عن قضية من نوع (حاميها حراميها) فقد تابعنا كيف استغل القاضي المسحور في المدينةالمنورة منصبه لأكل حقوق الناس والباطن، كما أننا تابعنا كيف تورط عدد من كتاب العدل في قضايا فساد تتعلق بامتلاك أراض دون وجه حق. هنا يجب أن يكون الحديث عن الفساد مختلفا، فحين يصل الأمر إلى تورط موظفين بارزين مهمتهم الأساسية حراسة الحقوق العامة والخاصة فإننا لا نتحدث عن فساد تقليدي بل فساد متغلغل في أعماق الأعماق وتحتاج عملية استئصاله إلى جهود استثنائية كي لا يتحول القانون إلى أضحوكة وتصبح الرشوة هي الطريق الوحيد لتخليص المعاملات مثلما يحدث في بعض الدول. فإذا ثبتت تهمة الرشوة على رئيس لجنة التعديات في مكةالمكرمة ومساعده مثلما ثبتت من قبل على عدد من كتاب العدل فليس ما لدينا أن نقوله سوى (على الدنيا السلام)، إنه جرس يقرع في كل الضمائر الحية كي نعيد كل حساباتنا المتعلقة بمكافحة الفساد ونكون أكثر حزما وشفافية في مواجهة هذا الداء الذي بدا يستشري في العديد من المؤسسات دون أن نجد طرقا فعالة للمواجهة باستثناء الإدانة اللفظية التي لا تغير في واقع الأمر شيئا. المنطق يقول إن مسألة التعديات على الأراضي الحكومية في مكةالمكرمة بالذات هي أكثر حساسية منها في أي مدينة أخرى نظرا لخصوصية وضع مكةالمكرمة وكذلك لأن لجنة التعديات تعاملت مع الكثير من المواطنين بالمسطرة والقلم، لذلك يأتي اكتشاف تورط رئيس لجنة التعديات في قضية رشوة ليشكل صدمة ما كانت بالحسبان، ومثل هذه الحادثة تفرض علينا إعادة النظر في كيفية عمل هذه اللجان وأهمية ربط عملها بالجهات المعنية مثل هيئة مكافحة الفساد وديوان المراقبة وحتى المباحث الإدارية إذا كان ذلك ضروريا، وأخيرا نشكر رجال المباحث الإدارية في مكةالمكرمة ونقول لهم: (الله يقويكم على الحق)، ونتمنى من الجهات القضائية أن تمكن وسائل الإعلام من متابعة هذه القضية كي لا يطويها النسيان مثلما طوى حكاية القاضي المسحور !