ثمة أنماط من التفكير ، لايمكن لها أن ترى النور في ظل تفكير منغلق على نفسه يرى التفرد في طرحه دون الآخرين ، إذ أن التفكير المتحرر من قيود النمطية البائدة لن يجد له سماءً من العطاء كي يحلق كيفما يشاء ، وإن كان لا محالة فسوف يكون تحليقه بجناحٍ واحد قد يفقده الاتزان ، أو يجبره على الهبوط قبل أن يشرع في فكرته . وهذه الأنماط من التفكير كثيراً ما تختلف باختلاف أصحابها وانتماءاتهم نحو التعاطي مع أفكار الآخرين . وهذا النمط من التفكير لابد وأن يستوعب خصوصية المجتمع ، الذي هو بصدر طرح أفكاره بين أفراده ، بكل شفافية تحفظ للحقيقة وجهها الحضاري الأصيل من خلال فكر متزن . وهذا يقودنا نحو فرضية مسلم بها هي أن حريتك تقف عند حرية الآخرين . فالتعبير عن الرأي حق مشروع لكل إنسان يؤمن بفكره ، وبضرورة التعاطي مع الفكر الآخر . غير أن تجاهل الآخر وعدم احترام رأيه يعد أمراً مرفوضاً في أدبيات الحوار ، لأننا في الوقت نفسه ، نحن مطالبون بحر فيه متناهية في طرح أفكارنا على الغير عبر منهجية تكفل لنا دوام الحوار وصولاً للحقيقة دون مهاترات أو مغالطات . الأمر الذي سوف يلقي بظلاله على وضوح الرؤى التي يمكن الوصول من خلالها إلى الحقائق المختلف عليها . ليس المهم أن تطرح ما لديك ولكن الأهم هو كيف تطرح مالديك؟! وهذا يقودنا – أحياناً – إن نحن لم نع إبعاد الطرح إلى نفق مظلم ، يبعث بالضبابية في التعاطي مع الأفكار الوافدة على نحو حضاري . ولعل ما نعايشة اليوم من عولمة متطفلة على مجتمعاتنا ، يملي علينا نوعاً من القيود الفكرية التي لا يمكن التعاطي معها ، إلا بإيجاد ثقافة المتلقي الواعية . ثقافة المتلقي الواعية التي هي نتاج لإرهاصات الثقافة القادمة التي لابد أن تتواصل من خلالها مع الثقافة الوافدة إلينا ولا سيما تلك الثقافات المهجنة ، التي باتت مغلفة بطابع إنساني يستتر خلف عباءة المواطنة الصالحة . ولابد أن نكون عند التعاطي مع هذه الثقافة متنبهين للأفكار المشبوهة التي تمرر تحت عباءة العصرنه وحوار الحضارات . فمبادئنا وثوابتنا التي تحاكي مجتمعاتنا الإسلامية لا يمكن للغير تجفيف منابعها بدعوى التحضر ومواكبة الجديد . إن مد الجسور مع هذا الزحم الثقافي الخليط لابد وأن يكون عبر عقلية واعية ، تنطلق من ثوابتنا وتقاليدنا التي نؤمن بها ، مستشرفة في ذلك ضرورة التواصل مع الثقافات الأخرى في إطار الخصوصية الإسلامية لمجتمعاتنا . ولو سلمنا لضرورة قبول تلك الثقافات فسوف يكون ذلك مرهونا بسلامتها من شوائب التحلل والعري الحضاري الذي يقود إلى طمس الهوية الإسلامية لمجتمعاتنا . وأخيراً فنحن مع امتزاج الثقافات ، وتبادل الأدوار الثقافية ولكن دون الانسلاخ من مبادئنا وثوابتنا التي ننادي بها . بقلم الأستاذ فهد الواصل