اكتب كلماتي هذه وقد غابت قبل قليل شمس آخر يوم في عامنا الهجري وأعلم أنني لن آتي بجديد ولكنها خلجات نفس أبثها في أسطري لعلي أن أنتفع بها وينتفع بها غيري من يطلع عليها . أستحضر في هذه اللحظات غيري من الأحباب والأقران ممن غيّبهم الموت وطواهم التراب فأصبحوا خبراً بعد عين وأثراً بعد ذات .
لقد عاشوا كما عاش غيرهم وحلموا وخططوا كما خطط غيرهم ، ولكن سبقهم قدر الله السابق ، وأمره النافذ فيهم وفي غيرهم وهي النهاية المتحتمة لكل أحد .
فهلا استحضرنا جميعاً نعمة البقاء بعدهم ، ومنّة التمكين من العمل بعد انقطاع آجالهم ، إننا لن نعرف حقيقة نعمة طول العمر مع حسن العمل إلا بعد الممات ولكن في ساعة ربما لا ينفعنا فيها العلم .
فياأيه الحي تذكر هذه النعمة واسع في العمل الصالح قبل أن يُحال بينك وبينه كما قد حيل عمن مات .
في هذه اللحظات نتذكر سرعة مرور الأيام وأفول الساعات - ومااجتمع الناس على شيء كاجتماعهم واتفاقهم على سرعة الأيام وفي هذا عبرة وغنيمة - .
أما العبرة : فهي قصر الدنيا .
وأما الغنيمة : فإنك إذا استيقنت من هذا دفعك هذا العلم بسرعة الزمان للعمل واغتنام الحياة ليقينك بسرعتها فتعلم أن العمر قصير والساعات سريعة الإنقضاء فيدعوك هذا للمسارعة للعمل واستسهاله .
مع بداية العام حريٌ بنا أن نعقد العزم على اغتنام بقية العمر .
فكم سوّفنا ؟
كم أخرّنا من أعمال صالحة ولو عملناها فيما مضى لكان خيراً لنا ؟
كم أخَّرنا التوبة الشاملة ؟
كم أخَّرنا التوبة عن بعض الذنوب ؟
كم أخَّرنا مشاريع عظيمة لو فعلناها لكان لنا شأن عظيم ؟
كم وكم وكم ؟
فوقفة صادقة ، لحري أبيّ مع بداية هذا العام يأبى أن يكون في مؤخرة الصفوف وأدنى المراتب .
مع بداية العام جدير بنا أن نسلك سبيل الجد والتخطيط والترتيب لحياتنا الدنيوية وآمالنا الأخروية ، ولنكن على يقين أنه بدون ترتيب لن تكون هناك ثمرة مشرقة ، ومنقبة خالدة ، لنستفيد من كل علم يعيننا على اغتنام الحياة ، لنهتبل كل فرصة تبني لنا مجداً في دنيانا وآخرتنا .
ولا نكن ساقطي الهمة ، أصحاب نظري أرضي ، بل لنجعلها سماوية علية ترنوا نحو الصعود ، قال عمر رضي الله عنه :
لاتُصُغِّرنّ همتك !
فإني لم أرَ أقعد بالرجل
من سقوط همته .
القرآن .. القرآن ..
والعلم ..العلم..
اجعلها همك الأول ، خطط لتحفظ القرآن مع بداية العام وأنا أضمن لك حفظ القرآن كله خلال سنتين - فقط مع الإجتهاد والمواصلة - .
اجعل لك نصيب من تحصيل العلم ، بصِّر نفسك به ، زوّد فؤداك منه ، فوالله إنه لنعم الرفيق ، وسبيل الشرف والمجد والعز ، كم رفع من وضيع ، وأعلى من فقير .
مع بداية العام لنفكر في المشاريع التي تبقى لنا بعد الممات فنسعى في وقفٍ لأنفسنا ولو بشيء يسير ، لنكن دليلا لغيرنا لخير ينفع المسلمين أزمنة مديدة ، خصوصاً مع توفر وسائل الإعلام وسهولة نشر هذه المشاريع .
أخي .. أخيتي ..رويدكم لا تظنون أن الخلود لكم أو حتى طول العمر بضمانكم ، فكم سيموت من خلق نهاية هذا العام ؟
وكم سيمرض من صحيح ؟
وينشغل من فارغ ؟
ويضعف من قوي ؟
فلنغتم الحياة قبل انقطاع العمل .
ولنطرح الحاجة بين يدي الكريم .
اللهم وفقنا لهداك واجعل عملنا في رضاك .
كتبه أخوكم الداعي لكم بالخير عادل بن عبدالعزيز المحلاوي [email protected] حساب تويتر @adelalmhlawi