يرتبط يوم الجمعة الأخير عادة في الاجازات في أذهان أبناء أملج المغتربين بمرارة الرحيل دوما، ففيه يفارقون الأهل والأحباب إلى مواطن اغترابهم في أنحاء البلاد، وفيه يقذفون بلقيمات من (الصيادية) الشهيرة في أفواههم عل طعمها يبقى حتى موعد عودتهم التالي، لعلها تمنحهم شبعاً لايجدوه في كل تلك الموائد التي يجالسوها في مدن الاغتراب.
في يوم الجمعة ذاك يحاولون ان يملأون صدورهم بهواء مدينتهم العليل، خاصة وهم يستطلعون أخبار الطقس في مدن اغترابهم فتأتيهم الأخبار مابين طقس شديد البرودة أو الحرارة أو الرطوبة الجاثمة على الصدور أو حتى موجات الغبار المتلاحقة التي تكتم الأنفاس، وتقارن النفس بين كل تلك الأجواء المتقلبة ونسيم أملج الذي يرطب الرئات ويريحها، ويسود التردد لحظات في أخر لحظات الرحيل والعين ترى امتداد بحر أملج الأزرق على امتداد الطريق سواء كان شمالا أو جنوبا, ومن بعدها تتفرق السبل كل إلى وجهة مختلفة، ذاك البحر الذي يباهون فيه أبناء المدن الأخرى وانه لايوجد على الأرض أجمل منه ولا ألذ من طعم أسماكه، ذاك البحر الذي جاورهم سنون طويلة لم يعتدِ فيها عليهم، رغم جورهم عليه أحيان كثيرة واقتطاعهم لحدوده ودفنه حياً في بعض أجزائه، ذاك البحر الذي يرمون فيه أحزانهم فيغسل نفوسهم ويعيدهم شباباً تفيض السعادة من أرواحهم الهائمة على شواطئه.
هل يغادرون كل تلك العواطف الجياشة ويخلعون أنفسهم خلعا من بين أحبابهم وتتنقل نظراتهم بين أم دامعة العيون وأب يحاول أن يودعهم رابط الجأش وهو يتقطع حسرة على الفراق، واخوة واخوات وأقارب يكتمون لوعات في الصدور حتى لا تظهر للعيان فتفيض المقل بماء الطهر والمحبة، أم يحاولون البقاء لأطول فترة ممكنة ولتجري الأمور كما تشاء بلا وجل من العواقب أو خوف من نتائج الغياب عن الأعمال والدراسة، فبعد ذلك كله من يلومهم لو تغيبوا أو غابوا فكل العواقب تهون بعد مغادرة أملج.
كل واحد منا تجاذبته تلك الخواطر عند الرحيل، وتشتت نفسه بين حتمية السفر ورغبة البقاء، خوف من الغياب الطويل وحنين لمراتع الصبا وأيام صدق مع الخلان، كلنا حتى من سكن املج من غير أبنائها تمّلكه ذلك العشق وسكنه ذلك الهاجس، هو سحر حلال محبب للنفوس تغلغل فيها حتى أصبح والروح صنوان في الجسد لايفترقان.
فصبراً أبناء أملج المغتربون، الضاربون في الأرض، والغائبون عن الوطن، حتى العودة القريبة بإذن الله.
ورفقاً بنا يا أهلنا في أملج، إنما نحن قطعة من جسد فصلتنا الأيام ولم تفصلنا المسافات و الأماكن عن حبنا وشوقنا لكم... ولأملج.