أمَّ المصلين لصلاة الْجُمُعَة فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام، الشيخ الدكتور خالد الغامدي، مبتدئاً خطبته بحمد الله والثناء على نعمه والصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ على نبينا صَلَّى الَّلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتوصية المصلين بتقوى الله. ثم قَالَ فضيلته: ما أجمل حياة العبد وما أسعد عيشه وما أَقَرَّ عينه حين يعلم علم اليقين أنما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن كل شيء في هذا الكون يجري بعلم الله وتقديره، فحينها ينشرح صدره وتسكن نفسه، ويهدأ باله، وتعظم ثقته بربه ويقوى توكله عليه، وذلك قبس من نور الإِيمَان بالقضاء والقدر الذي هو من أجل أركان الإيمان وأعظم أصول الملة والدين، ولا يقبل الله من عبد صرفاً ولا عدلاً إذا لم يؤمن به إيماناً صادقاً حياً نابضاً فَاعِلاً في حياته متدفقاً بالمعاني الإيمانية والحقائق القلبية التي تنشئ في العبد نفساً راضية مرضية عاملة بناءة ساعية في كل ما يفيدها في دنياها وآخرتها. وَأَشَارَ فضيلته: أن من هنا كان الإِيمَان بالقضاء والقدر والرضا بأفعاله سبحانه هي المحك الحقيقي لصدق العبد وإِخْلَاصه، ومعرفته بربه وبما له من صفات الكمال والجلال، وكم من أناس سقطوا في فتنة الجزع والتسخط والاعتراض، وفشل البعض عند أول عارض، وخذل آخرون فزعموا أنه لا قدر وأن الأمر أنُفٌ، وصدقوا ما بذر الشيطان في عقولهم من الشبه والتساؤلات الحائرة التي تتهم الله في أقداره وتعيبه في قضائه ولا تدرك الحكم البالغة في أفعاله، فهم في الحقيقة ما قدروا الله حق قدره حينما سول لهم الشيطان وأملى لهم.. إن الإِيمَان بالقضاء والقدر هو النجاة والفلاح السعادة التي افْتقدها كَثِير من البائسين واليائسين والحائرين، بينما المؤمن يعلم يقيناً لا يخالجه شك أن الله سبحانه قد قدر الأحداث كلها في هذا الكون خيرها وشرها صغيرها وكبيرها، وعلمها سبحانه بعلمه المحيط الواسع بالإِجْمَال والتفصيل قبل وجودها ثم أمر القلم أن يكتب في اللوح المحفوظ كل شيء كائن وكل حدث صائر، صغر أم كبر، ثم صارت الأحداث والأقدار تتوالى وتحصل بَعْدَ ذَلِكَ بمشيئة الله وإرادته إيجاداً منه وخلقاً على وَفْقَ القدر المكتوب حذو القذة بالقذة لا ينخرم منه شيء البتة كما قَالَ سبحانه: (مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ) وقال تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)، وقال: (وَكَانَ أمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً) وقد عد النبي في حديث جبريل المشهور من أركان الإِيمَان العظمى الإِيمَان بالقضاء والقدر حلوه ومره، خيره وشره، ويثبت عند الترمذي في جَامِعَه قال: (لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره من الله، وحتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن يصيبه). وتحدث الشيخ الغامدي في خطبته أن النبي كان يغرس عقيدة الإِيمَان بالقضاء والقدر في نفوس الأَطْفَال والشباب قبل الكبار، كما في الحديث المدهش العجيب الذي ألقى فيه النبي جملة من الوصايا الكبرى على ابن عباس وهو غلام صغير، ومن هذا الوصايا: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلَّا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلَّا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف) رواه أحمد الترمذي، وقال ليزيد بن ثابت وهو شاب لقن فهم: (لو أنفقت مثل أحد ذهباً في سبيل الله ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولو مت على غير هذا لدخلت النار) أحمد صحيح – وفي حديث أبي الدرداء قَالَ: (لا يدخل الجنة عاق، ولا مدمن خمر، ولا مكذب بالقدر).