كنت أظن-في تعاملي مع الآخرين وأنا في سن المراهقة-أن أخطائي قليلة جداً وأخطاء من حولي لا تعد ولا تحصى. وعلى قلة أخطائي فهي نتاج أخطاء الآخرين، فأنا لم أكن المتسبب بها. وبعدما كبرت حاورت نفسي مراراً وتنزلت لها بفرضية قلة أخطائي وكثرة أخطائهم إلا أنه لفت نظري ملامح كثيرة أبرزها: (1)- حجم الخطأ ونسبة تركيزه وتأثيره وأبعاده فوجدت أن أخطاء من حولي غالبها-أخطاء هشة وأخطائي- التي هي ردود أفعال قوية صلبة، فأنا أعاقب الآخرين بأشد من أخطائهم وأحمّل مواقفهم أكثر مما تحتمل. ربّما أنّ فلاناً أخطأ علي ومن حقي أن أعتب عليه وأعاقبه وأهجره ولكن كيف أزن الأخطاء بالقسطاس المستقيم ولا أبخس الناس أشياءهم؟ فإنه قد يكون في أقسى ردود الأفعال تجاه تلك الأخطاء المحتملة أن أعتب عليهم وإن كان من هجر فلا يتجاوز الساعات، لا أن يمتد أشهراً كما أنّ الآخرين لهم رؤيتهم تجاه أخطائي وهم يرونها بغير العين التى أراها كماً وكيفاً. (2)عمق العلاقة مع الآخرين ونوعيتها وامتدادهاالتاريخي، فالقرابة والمصاهرة والصداقة المتينة والجوار وعشرات السنين، كل ذلكم رصيد ثر ورباط وثيق كيف يمكنني تجاهله واختزال تلك العلاقات في موقف هش؟ (4) مانصيبي من خلق التسامح والعفو والصفح؟! وكم أخذت منه وكم تركت؟ ومامدى توظيفي لمقولة الرسول وصنيعه -صلى الله عليه وسلم-مع كفار قريش:(اذهبوا فأنتم الطلقاء)؟ وهل وظفت موقف أبي بكر-رضي الله عنه- في بذل صدقته لمن خاض في عرضه وتكلم في شرفه في التعامل مع أخطاء من حولي وذلك في قوله تعالى: (ولايأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يُؤْتُوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفرالله لكم والله غفور رحيم)؟. فقد قال أبوبكر بعد نزول هذه الآية:"والله إني لأحب أن يغفر الله لي وصفح عن مسطح بن أثاثة -وكان ممن تكلم في عرض سيدتنا عائشة رضي الله عنهم أجمعين-بل إنه أرجع إليه النفقة التي كان ينفقها عليه. (4) دور الشيطان في تفكيك تلك الأواصر وتفتيت تلك العلاقات وتوسيع مساحة الخلاف بيني وبين الآخرين وأن من أبرز مهامه وأهم أعماله التحريش والتفريق. إنّنِي مدينٌ للآخرين بحبهم لي وحرصهم على امتداد العلاقة، فقد كانوا أرأف مني وأرحم لماذا ؟ ألهم بي حاجة؟! إنّ الروابط الاجتماعية لا يمكن وصف جمالها كمالا يمكن تجاهل أثرها سيحل علينا ضيف عزيز النفس خفيف الظل يمر مرور الكرام يملأ دنيانا سعادة وقلوبنا فرحاً ويوجب على شفاهنا الابتسامة وأسناننا الضحك. إنّ الفرحة فرض عين على كل أحد إذا كان رمضان أياماً معدوداتٍ فإنّ العيد سويعات، فهو يظلنا بمعانيه العميقة المليئة بالمشاعر الفياضة والمودة والأخوة وكأنه يقول: أنا بريدك لمن هجرت وتبرير وصلك بمن خاصمت وأبعدت. نعم سيمر علينا بعدأيام قليلة يوم العيد ثم يرحل سريعاً إنه وإن كان مروره مرور الكرام في وقته المخصص له إلا أننا نطمح منه المزيد من امتداد آثاره فاستكثر منه ما استطعت من وصل وبر وإصلاح ما بينك وبين الآخرين وترميم علاقاتك بهم ووصل ماانقطع منها. إنه لا مجال للحديث عن الأخطاء إنّه يوم عيد فيه تصفو النفوس وتزول الرواسب وتبقى الجواهر. قبل رأس أمك وأبيك وابذل لهما ما بوسعك من محبة واحترام ومساعدة ومال وبر وإحسان قبل أن يتوسدا التراب، مد يدك لأخيك وأختك بالمصافحة والسلام والمحبة والوئام قبل أن تمد كلتا يديك إليهما لتُودِعَهما بيديك في التراب.