ما سُمي القلب قلباً إلا لتقلبه، لكن الفكرة الخفية التي تسري في جوانح النفس المكدودة هو كيف يحدث هذا الانقلاب الشعوري في تلك المضغة؟ وهل من ترسانة أو خوذة تُتُخذ أدرعاً وقائية لصد هجمات الانقلاب الغاشم؟ لطالما قرأنا حديث" يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً " فنمره على ظاهره، ونؤمن به دون استفسار عن سرعة التقلب لأنا رُبّينا على الانقياد لله ولرسوله وأكرم بها من تربية، وكلما داهمنا سؤال يحاول العبث في تصديقنا قطعنا شريانه بمشرط التسليم وألجمناه ب "وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ". وقد تتعلق أصابع الشك برقبة الإيمان بهذا الحديث لتصرفه عن مساره فيرسل لك الله ما يثبت به فؤادك فيتحول علمك اليقيني بالنص الشرعي إلى حق اليقين فتغترف من بحره وتعيش أحداثه كلها أو بعضها، وربما ارتفع منسوب الإيمان بالنص إلى عين اليقين الذي لا مرية فيه . (بلحظة) نُسخت وتبدلت كل المشاعر في موقف ما .. فكيف بالإيمان ؟! تهيم مشاعر الحب على وجهها يلفحها هجير الإهمال ، ويلهبها رمضاء البعد، ويذيبها الصد، لتعلنها مدوية في الأرجاء لا أحب الآفلين .. (بلحظة) ينقلب الحب إلى كره. وتهيم مشاعر الإعجاب على وجهها يلفحها هجير الغرور، ويلهبها رمضاء الجهل ، ويذيبها الاستعلاء ، لتعلنها مدوية في الأرجاء آن لأبي حنيفة أن يمد رجليه .. (بلحظة) ينقلب الإعجاب إلى ازدراء. وتهيم مشاعر الأمن على وجهها يلفحها هجير القلق، ويلهبها رمضاء التفكير ، ويذيبها الوساوس والتحزين ، لتعلنها مدوية في الأرجاء " ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء" .. (بلحظة) ينقلب الأمن إلى خوف. هكذا هي القلوب سريعة التقلب كريشة في مهب الريح. من كره إلى حب والعكس. ومن ازدراء إلى إعجاب والعكس. ومن خوف إلى راحة وأمن والعكس. ولا ضير إن تبدلت المشاعر وتقلبت في حق البشر مع وجود مسوغات التبديل، لكن الخوف كل الخوف الذي يقطع النياط ، ويسهر الأجفان انقلاب الدين، لذا كان أكثر دعاء نبينا صلى الله عليه وسلم الذي عُرج به إلى سدرة المنتهى " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" ورغم جلالة قدر الراسخين في العلم وعمق إيمانهم وحسن أعمالهم فقد سلكوا درب المخاوف يهابون سلب الإيمان وانسلاخ القلب فكان من دعائهم ((رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا)) وقد صاح الحادي الأول بقوله: والله ما أخشى الذنوب فإنها *** لعلى سبيل العفو والغفران لكنما أخشى انسلاخ القلب من *** تحكيم هذا الوحي والقرآن وما أحسن القول القيم لابن القيم رحمه الله في طريق الهجرتين : ((إن العبد إذا علم أن الله – سبحانه و تعالى – مقلب القلوب وأنه يحول بين المرء وقلبه وأنه – تعالى – كل يوم هو في شأن يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وأنه يهدي من يشاء ويضل من يشاء ويرفع من يشاء ويخفض من يشاء ، فما يؤمنه أن يقلب الله قلبه ويحول بينه وبينه ويزيغه بعد إقامته؟ ". إذا تقرر ذلك في القلب خاف الإزاغة وأن تهيم مشاعر الإيمان على وجهها يلفحها هجير مخالطة الفتن ، ويلهبها رمضاء التسويف ، ويذيبها الذنوب، ليعلنها مدوية في الأرجاء أعوذ بالله من الحور بعد الكور ومن الضلالة بعد الهداية.. حتى لا ينقلب إيمانه إلى كفر (بلحظة).