الخطاب العربي خطاب أكثر طروحاته غير مؤثِّرة، وهو في مجمله لا يقوم على رؤية حضارية، أو بنية ثقافية فاعلة، بل يغلب عليه الخطاب اللحظي لتمرير المواقف، ويحضر فيه مقالات تهجين التفكير، لا يخدمه الإعلام العربي، ولا يسلم من تدخُّلات الثقافات الأخرى. ومن اللافت أن الشبكة العالمية فيها آلاف المواقع التي تتحدث عن العرب والعربية، وعن الإسلام والمسلمين، ولا يديرها قلم عربي أو مسلم، ولا تستمد رؤاها من منهج يمثِّل الثقافة العربية، فَضْلاً عن أن تتمثل الرؤية الإسلامية. هذه المواقع تحول بين القارئ والمتلقي في أطراف الفضاء الإلكتروني وبين الواقع العربي، فهي تصوِّر الفكر العربي، وثقافته بالنمطية التي تراها هي، وليس على الحقيقة والواقع، وهي تصور الإنسان العربي بطريقتها الخَاصَّة، ولا أدل على ذلك من المحتوى المعرفيِّ الرقمي الذي تفيض به المواقع المعرفية، وهي تصدر من بلدان غير عربية، وتدار بعقول غير عربية أيضاً. وكان على الإعلام العريب أن يكون لساناً للأمة العربية بدينها الإسلامي، وتراثها السامي، وحضاراتها الخالدة، يدافع عن رأيها، ويمثل قراراتها، وينطلق من ثوابتها، ويدعم حقوقها، ويظهر جمال رسالتها. هذا الخطاب نفتقده في الإعلام العربي، وهو خطاب مؤسَّسي علمي، يقوم على تخطيط ورؤية واضحة، وأهداف محَدَّدَة، هذا الخطاب الإعلامي الثقافي يحدد منهجيته وأساليب تنفيذه دراسات وبحوث علميَّة، وتتولاه مؤسسات إعلامية وفكرية وثقافية تصحح قضية الدين في أذهان الناس، وتقدم الحقيقة في أصح صورها، وتحول بين المغرضين وبين عقول الناس حين يريد المغرضون تشويه صورة الإنسان المسلم وثقافته العربية الإسلامية. الدين قضية الأمم التي أوقدت الحروب، وشردت الشعوب، وهو القوة التي تحرك الجموع، أو تحيِّدهم، والدين في حياة الناس له حقيقة، وله واقع يمثِّل تلك الحقيقة، وإذا تولى الخطاب الديني من ليس أهلاً له، فحقيقته ليست هي كل ما يقع من المنتسبين إليه من سلوك وخطابات فردية أو جمعية، إنما الذي يصدر عن الناس هو التدين، وتمثُّل الدين "التمسك به" يظهر في السلوك الفردي، وفي الواقع الاجتماعي، وكلاهما له خطابه المنطلق من حقيقته، أما التدين فهو مقدار التزام الناس بذلك الدين، ويقوم الدين في العقل الجمعي في صورته الصحيحة على مصادر أولى، ففي الإسلام يقوم الدين على مصدرين أصليين هما: الْكِتَابُ، وَالسُّنَّة، ومصادر مبنية عليهما وهما الإجماع والقياس، ثُمَّ هو يظهر في مستويين؛ المستوى التمثيلي، والمستوى الخطابي، ولا يبتعد كل منهما عن الآخر إلا من جهة ثقافة الأداء والالتزام، فقد تجد من الناس مَنْ خطابه الديني مؤسسي، وأداؤه التمثيلي فردي. ويبرز الإشكال في الخطاب الاجتماعي من خلال التدين وليس من خلال الدين، فالقصور المعرفي في بعض جوانب الخطاب الجمعي يلصق المشكلة بالدين لا بالتدين، فيتشكل في المجتمع خطاب موجه للدين في العبادات والمعاملات، وعند تناول الخطاب النقدي للمشكلات الاجتماعية الصادرة عن أفراد المجتمع فإنه يحاور العقل الجمعي من خلال أفراده الذين يمثلون أنفسهم بمقدار حظوظهم من التدين. وتتكون المصادر المعرفيَّة للدين من مجموع الأدلة التي يقوم عليها فهم الناس للدين، وتطبيقاته، وكلما اقترب الالتزام بالأدلة مع صحة الْفَهْم كان التدين أقرب للدين، أو كان ممثلاً للدين بصورة جميلة سليمة من التشوهات، ثُمَّ يتكون الخطاب الجمعي في ضوء المصدر المعرفي، والتعريف الديني لتلك الأدلة، ضرورة أن الأدلة التشريعية والتنظيمية يحتفظ مشرِّعُها بحق تفسيرها، فالأدلة الشرعية مفسرة ومبينة بالتشريع الذي وضعها، صالحة مُصلحة للعقل السليم الفطريّ، وليس لكل أحد حق التفسير والاعتراض، فلا يصح لخطابٍ اجتماعيٍّ الخوض في الخطاب الديني بأدوات غير معرفية، كما هي الحال في المجتمع العربي الذي تشكو ثقافته وخطابها الجمعي من خلل في التمثيل والإرادة.