كان الجسران الخشبيان المتهالكان عند طرفي الشارع الرئيسي غير الممهد في "بودا" يقودان إلى متاجر وسوق صاخبة في المدينة التي تشتهر بتعدين الألماس في جمهورية إفريقيا الوسطى. لكن هذه الجسور أضحت اليوم الخط الفاصل بين الحياة والموت بالنسبة لمئات من المسلمين الذين يحاصرهم مقاتلو ميليشيات مسيحية عازمة على طرد المسلمين من البلاد. وقال الخياط ادو كوني "نعيش في سجن. كل الطرق مغلقة ولا يدخل إلينا أي شيء. ثمن الطعام باهظ جدا وحياتنا في خطر". وتبرز منطقة بودا حالة الفوضى التي تعم البلاد منذ أواخر عام 2012 حين تحول صراع على السلطة إلى اشتباكات بين المسلمين والمسيحيين دفعت نحو مليون للنزوح عن ديارهم. ويقول المسلمون في بودا إن من يتجاوز حدود الجسرين يقتل مثل الآلاف من ضحايا أعمال العنف المتبادلة والمستمرة رغم انتشار قوات حفظ سلام فرنسية وافريقية. وترتفع أعلام فرنسا فوق أكشاك وتجوب من آن لآخر بضع مدرعات فرنسية شوارع المدينة التي تبعد 115 كيلومترا غربي العاصمة بانجي. وفي ضاحية مسلمة علقت لافتة تمتدح القوات الفرنسية اعترافا بفضلها في تخفيف معاناتهم. وأنهت الأزمة حالة الوئام بين المسلمين والأغلبية المسيحية التي تفاخر بها إفريقيا الوسطى على مدى تاريخها وأدت لتحذيرات من إبادة جماعية في المستعمرة الفرنسية السابقة. ويقول الكابتن دوباني فيرمين زعيم الميليشيات في بودا وهو يرتدي قميصا أحمر لفريق باريس سان جيرمان لكرة القدم "يمكننا أن ننتظر عشر سنوات حتى يرحلوا وإن لم يفعلوا فسنظل مرابطين في موقعنا". وتابع "لن نقبل بأن نعيش مع المسلمين على المدى الطويل، يحق لنا قتل المسلمين". ووافق مجلس الأمن الدولي الشهر الجاري على تشكيل قوة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة قوامها 12 ألف فرد يجري نشرها في سبتمبر ايلول في اعتراف بإخفاق قوة افريقية قوامها ستة آلاف فرد وأخرى فرنسية مؤلفة من الفين في بسط سيطرتها على البلاد. لكن العملية تستغرق وقتا في حين تحصد الهجمات على المسلمين في بودا وأماكن أخرى عددا كبيرا من الضحايا. وقال عبده دينج منسق الأممالمتحدة للشؤون الإنسانية في إفريقيا الوسطى "بينما ننتظر نشر القوات في 15 سبتمبر علينا أن نعزز القوة الأفريقية والفرنسية لان أعدادهما غير كافية لإشاعة الاستقرار في هذا البلد". وتقول الأممالمتحدة إن أكثر من نصف عدد السكان البالغ 4.5 مليون يحتاج مساعدات إنسانية غير أن المانحين قدموا أقل من 30 % من الإغاثة العاجلة اللازمة وتقدر ب550 مليون دولار. ويضيف دينج إن الهجمات على عمال الإغاثة خارج بانجي تعقد عملية توزيع المساعدات وسط مخاوف من تفاقم الأمراض وسوء التغذية مع قدوم موسم الأمطار. وقال ادم موسى الذي يقدم خدمات صحية في مكتب كان يشغله تجار الذهب والألماس في بودا إن أربعة أشخاص كانوا يتوفون يوميا بسبب سوء التغذية قبل عدة أسابيع وتراجع المعدل إلى حالة وفاة واحدة كل يومين بعد وصول مساعدات من برنامج الأغذية العالمي للمسلمين. وقال "أذهب لزيارة الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية لا سيما سوء التغذية الشديد وأجد عددا كبيرا بين 200 و300." ويتدفق اللاجئون على الكاميرون المجاورة بمعدل عشرة آلاف أسبوعيا وقال مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة "يصلون معتلي الصحة ومصابين بطلقات نارية وجروح قطعية." وذكر المكتب في تقرير يوم الخميس "اضطر الوافدون الجدد للسير وسط الأحراش شهرين أو ثلاثة قبل الوصول للحدود بسبب المتاريس التي تضعها الميليشيات المسلحة على الطرق". وذكرت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي أن الصراع لا يلقى اهتماما وأن هناك حاجة لمساعدات لإنقاذ الأرواح وأضافت أن عمليات الإنقاذ على شفا الإفلاس. ورغم فشل القوتين الفرنسية والإفريقية في إقرار النظام إلا أنهما ترافقان المسلمين للخروج بأمان ويذهب معظمهم لتشاد المجاورة. وقال سيمبونا جاي كوبين المتحدث باسم المسيحيين في بودا "إذا أراد المسلمون الرحيل يمكن أن ترافقهم القوتان الفرنسية والإفريقية ولا توجد مشكلة لن نقتلهم لا نريد سوى أن يرحلوا".