يستوقفني كثيرا ويستدعي تفكيري وتأملي وعجبي موقف بعض الناس من تشريعات ديننا الحنيف فيما يخص الأسرة والمرأة تحديدا، وما يظهر من مغالبتهم لحدوده فيها، ومراغمتهم لتشريعاته، بتأويلاتٍ فاسدة واستدلالاتٍ باطلة وحجج عقليةٍ واهية، وشبهاتٍ داحضة؛ تتهاوى وتنتفي بالعلم الشرعي الراسخ المؤصل بنصوص الوحيين على فهم السلف الصالح. كيف يشاغب أولئك ويُشغِّبون على الناس في دينهم؟ وكيف يتنكبون طريق الحقّ البيِّن إلى طرقات الظلام والضلال؟! لا أتحدث عن مستأجرين ومستأجرات لأجنداتٍ تغريبية، يتاجرون بالدين والمجتمع ويقبضون الثمن أموالا طائلة لقاء خدماتهم الجليلة! إنما أتحدثُ عن إخوة وأخوات يحبون الله ورسوله ويسارعون في أبوابٍ من الخيرات، لكنهم فيما يخص أحكام وتشريعات المرأة والأسرة يجاهرون بمعصية الله تعالى ويبغضون ويحاربون دعاة الفضيلة ويعاونون دعاة الإثم والضلال! ما مصدر هذا التناقض وما سببه؟ لعله الجهل والهوى، وما أشدهما من عدوين لدودين للمسلم!! الجاهل عدو نفسه ، فكيف إذا كان جهلا بالدين يستغله المغرضون فيمتطون الجاهل ويوجهونه لتحقيق مآربهم! وصاحب الهوى قد يعبد هواه، وينتقي مصادر تلقيه وتشريعه وفقاً لهواه : {أفرأيت من اتخذ إله هواه وأضله الله على علم} الفرقان (43). ولن أنسى كم كثيرا هزني حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الآتي عندما قرأته أول مرة: ((مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها وهو يذبهن عنها، وأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تفلتون من يدي)) رواه مسلم بأبي هو وأمي ما أروع هذا التشبيه وأدقه وأصدقه على واقعنا ، وماأشبهه بحال الدعاة والناصحين المحتسبين اليوم مع أهل الأهواء والشهوات والشبهات! ولنقف قليلا مع شرح هذا الحديث: يقول ابن حجر: "مثلي أي في دعائي الناس إلى الإسلام المنقذ لهم من النار ومثل ما تزين لهم أنفسهم من التمادي على الباطل كمثل رجل.. إلخ وقال النووي: مقصود الحديث أنه صلى الله عليه وسلم شبه المخالفين له بالفراش، وتساقطهم في نار الآخرة بتساقط الفراش في نار الدنيا مع حرصهم على الوقوع في ذلك ومنعه إياهم، والجامع بينهما اتباع الهوى وضعف التمييز وحرص كل من الطائفتين على هلاك نفسه… وقال القاضي أبو بكر بن العربي: هذا مثلٌ كثير المعاني، والمقصود أن الخلق لا يأتون ما يجرهم إلى النار على قصد الهلكة وإنما يأتونه على قصد المنفعة واتباع الشهوة كما أن الفراش يقتحم النار لا ليهلك فيها بل لما يعجبه من الضياء. وقال الغزالي: التمثيل وقع على صورة الإكباب على الشهوات من الإنسان بإكباب الفراش على التهافت في النار ولكن جهل الآدمي أشد من جهل الفراش لأنها باغترارها بظواهر الضوء إذا احترقت انتهى عذابها في الحال والآدمي يبقى في النار مدة طويلة أو أبدا والله المستعان". فهلاّ وقفةً مع النفس صادقة، ومراجعة فاحصة، فلربما شهوة أو نزوة أو اتباع هوى أو جهالة، يكون معها خسران وحسرة، ولربما أوبة وتوبة وعودة ووقوف، يكون معها سعادة الدنيا والآخرة. اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه واجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر مباركين أينما كنا. واهدنا واهدِ ضال المسلمين، وانصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين آمين. عفاف بنت عبدالعزيز الحقيل باحثة في شؤون المرأة