بسم الله الرحمن الرحيم المسلم الحق هو الذي يهمه أمر إخوانه المسلمين بقدر ما يمه أمر نفسه وأسرته، وهذه هي حقيقة الإسلام نفسه، قال صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) ولذا رأينا الأنصار في المدينة يقاسمون إخوانهم المهاجرين منازلهم وتجاراتهم ومزارعهم، وكان كل من المهاجرين والأنصار قبل الإسلام كل في مدينته وناحيته يتقاتلون على لقمة العيش وعلى توافه الأمور – وكذا بقية قبائل العرب – وليس للرحمة مكان في حياتهم إلا في النادر والنادر لا حكم له. هذا هو الإسلام وهذا هو جيل الإسلام الأول الذي تغلغل الإسلام في وجدانه وصاغ حياته صياغة جديدة على ضوء عقيدة فتحت لهذا الجيل آفاقاً لم تكن معروفة، ومد أمامه مساحات شاسعة من اليقين في الله تعالى وفي وعده الصادق بأن لهم الجنة. إن المسؤولية العامة سمة لازمة للمسلم الصادق أنى سار وحيث حل، وليست هذه المسؤولية مرتهنة بالمنفعة الدنيوية التي تأتي رداً وثمنا لما قدمه للغير، بل المسلم يرجو من وراء ذلك مرضاة الله والجزاء الأخروي، ويرجو إدخال السرور والفرح على قلب أخيه المسلم وحياته. المسؤولية العامة التي تتمثل في مد يد العون لكل مسلم سواء بالصدقة المادية وهذه مجالاتها كثيرة جداً، أو التعليم أو المودة والبشاشة وعيادة المريض أو الكلمة الطيبة ومنها رعاية حق الجوار ومشاركة المسلمين في أفراحهم وأتراحهم، كما تتجاوز المسؤولية العامة عند المسلم هذه الأمور إلى نوع آخر من المسؤولية العامة وهي الحفاظ على المرافق العامة بل مد يد العون إليها وتربية أبنائه على الحفاظ عليها، بل وغرس حب البلد عامة في نفوس أبنائه ومن ثم حب الأمة الإسلامية كلها، وغرس الشعور بالمسؤولية عن بلده وعن أمته، فيقدم لبلده وأمته من وقته وماله وجهده ما يطيق، وينتقد ويرفض صور الإخلال بالمسؤولية تجاه بلده وأمته في كل صورها. هذه بعض معالم المسؤولية العامة عند المسلم التي افتقدناها في زماننا هذا بصورة مفزعة ونرى بعض نتائج فقدان هذا الشعور في صور مؤلمة تتمثل ليس فقط في انحسار روح المبادرة العامة بل تتمثل فيما هو أخطر من ذلك في نهب المال العام وضعف المسؤولية الوظيفية والإدارية وتبلد الإحساس بالمسؤولية العامة، ولعمري لو علم هؤلاء أن الله سائلهم عن أمانتهم وأن سؤاله لهم في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون. وقبل الختام أقول: إن الشعور بالمسؤولية العامة والإخلاص في ذلك لا يؤدي إلى مرضاة الله تعالى فقط بل يؤدي إلى قوة المجتمع والبلد ورقيه وانحسار كثير إن لم يكن جميع السلبيات والعاهات الاجتماعية التي تثقل كاهل البلد والأمة. فيا أيها المسلم كن كما يحب ربك ويرضى لك، كن محبا للنفع، مراقباً لربك في عملك ووظيفتك، أد ما عليك تسعد وتُسعد إخوانك وبلادك وأمتك. ما أجمل المسلم حين يكون مصدر سعادة لمجتمعه وبلاده وأمته.