الوجود في هذا الحياة نعمة عظيمة من الله تعالى للعبد المؤمن؛ لأنها فرصته الأولى والأخيرة ليستنقذ نفسه من عذاب الله وسخطه، وليستكثر من الحسنات والباقيات الصالحات التي تكون بها سعادة الدنيا، ونجاة الآخرة. فالمؤمن الصادق يعلم أن الدنيا مزرعة الآخرة، وأنه في رحلة عمل، وأن الفرص المتاحة له في رحلته إلى الله ربما لا تتكرر؛ ولذلك فهو أحرص ما يكون على كل طاعة وقربى تقربه من ربه سبحانه، وإذا ما فاتته فرصة من العمل الصالح بحث عن أخرى يستدرك بها ما فات، ويعوّض بها ما نقص، ويأخذ فيها من زاده لمعاده ما يرجو أن تكون به النجاة في الدنيا والعقبى، فبين يديه يوم التغابن، وموقف الحسرة وساعة الندامة، يوم يقول المفرّط: "يا ليتني قدمت لحياتي!". ويقول المخذول الذي أضاع عمره في الغفلة المردية: "يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله…!". ورمضان موسم المضاعفة لتلك الغنائم، وميدان الاستكثار من تلك الأرباح، فخذ من ممرك لمقرِّك، ومن دنياك لأخراك، ومما يفنى وينفد لما يبقى ويخلد، فاليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل! قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون).