د.فريد الأنصاري عالم شرعي وأديب مغربي، حصل على الدكتوراه في الدراسات الإسلامية وتخصص في أصول الفقه، وشغل عدة مناصب أكاديمية وشرعية، وتوفي بعد رحلة مع المرض في تركيا في ذي القعدة 1430 ه –رحمه الله -. شهدت حياة الدكتور فريد نقطة تحول فكرية وقلبية وروحية، وثَّق مراحلَها في مقال طويل له بعنوان (جمالية الدين)، وأتبعها بتبنٍّ ل(مفهوم الجمالية) وتجسد ذلك في بعض مؤلفاته ومقالاته. أستحضِر اليوم نقطة التحول هذه في حياة الدكتور فريد، وأنا أتأمل حالنا في الشبكات الاجتماعية، وقد بحثت فيما إذا كان الدكتور قد استخدم أيًّا من هذه الشبكات لكني لم أجد، لكني متيقنةٌ أنه لو عاش الأنصاري ورأى حالَنا في الشبكات وخاصة ما بعد عام 1432 ه، لعلم أن ما تحدث عنه في الواقع، قد انتقل إلى العالم الافتراضي بكل الأخطاء، وأن غياب التربية الإيمانية وبث العقيدة في الوجدان، بات ثغراً يحتاج مَن يلتفت له ويعتني به، أكشف عن هذا الثغر في هذا المقال لئلا يطول الحال، وهو ليس تعميماً ولا تشاؤماً، بل حباً وحرصاً. نعم.. لو عاش الدكتور فريد الأنصاري لرأى كيف تسيَّد (العلم الجدلي) في حوارات أغلب المصلحين والدعاة، وكانت النتيجة أنها لم تؤتِ ثماراً قلبية تعين على الحياة؛ فافتقدت ساحة التأثير لمن يخاطب بالعقيدة الإيمانية العقول خطاباً ينفذ من خلالها إلى القلوب؛ فغابت معاني (الجمالية)، ومقاصد (الربانية) في الدعوة والتربية والتعليم. لو عاش الدكتور فريد الأنصاري لرأى كيف ضاع صفاء الدين وجماله في غبار التأويلات، ورسوم التقسيمات، وكيف ذمَّ قومٌ (علمَ الفلسفة والكلام)، ثم في خضم الصراع، ردوا وقسموا (فتكلموا)! وكانت النتيجة أن انشغلوا بالتنظير عن التطبيق، ولم تُغن سلامةُ التصورات عن سلامة التصرفات. لو عاش الدكتور فريد الأنصاري لرأى كيف حوَّل بعضُنا هذه العقيدة القلبية الوجدانية العظيمة، إلى عصا من خشب لا وظيفة لها إلا أن يضرب بها خصمه، فغرق في نقع الخصومات والجدالات وظل قلبه فارغاً من العبادة بمعناها الوجداني الذي يغمر الروح والقلب وترى دلالاتها في السلوك. لو عاش الدكتور فريد الأنصاري لرأى كيف نالت (ردود الفعل غير المتوازنة) من دفاعنا عن القيم، وكيف أن موجة الأفكار المنحلة، تسببت دون أن نشعر في (تكوين عقدي قائم على نفسية ردود الأفعال المتشنجة وعقلية التفتيش في المسائل الخلافية )، فانحرفت البوصلة عن المقاصد، وبتنا في حاجة لإعادة قراءة عقيدة السلف الصالح من مصادرها الأولى، ومن أعلامها الذين تميزوا بالريادة والقيادة، وأسهموا في بناء صرح الأمة. لو عاش الدكتور فريد الأنصاري لرأى كيف بات شتات الشبكات سبباً رئيساً في رقة الدين، وكيف (عمرنا تغريداتنا بالقرآن) وغفلنا عن (عمارة قلوبنا بالإيمان)، فأصبح حالنا كما قال ابن اليمان (إنا قوم أوتينا الإيمان قبل أن نؤتى القرآن، وإنكم قوم أوتيتم القرآن قبل أن تؤتوا الإيمان). لو عاش الدكتور فريد الأنصاري لرأى كيف علَّمت شبكاتُ التواصل بعضَنا شهوة الكلام، وشهوة الحضور، وشهوة الظهور، وكيف اتبع بعضنا هذه الشهوات، حتى أضاع الصلاة! لو عاش الدكتور فريد الأنصاري لرأى كيف أن انشغال بعضِنا ب شبكات التواصل جعله يكتسب من صفات المحامي كثيراً، ولا يكتسب من سلوك المؤمن إلا قليلاً، فعاش مع الناس أكثر مما عاش مع الله! والرسالة الأخيرة في أحرفي هذه التي تخالط نزفاً في قلبي ودمعاً في عيني أني أريد أن أقول: (قبل أن نكون محامين عن الحق، نحتاج أن نكون مؤمنين حقًّا). [email protected]