في المعجم: القلب: الفؤاد وقد يعبر عن العقل. العقل: الحجى والنهى. ليس عجيبا او غريبا ان يشار الى القلب وعلاقته بالعاطفة والحب والخوف وما اكثر النثر والشعر حول هذا الموضوع، ذلك لان القلب مزود بالاعصاب الودية او النظيرة للودية ان صح التعبير: Sympathetic & Parasympathetic وحتى الحب فان العلماء اثبتوا حديثا في بريطانيا عن طريق الكشف بالرنين المغناطيسي الوظيفية Functional MRI بانه يبدأ اولا بالمخ: Limbic System ومن ثم يتأثر القلب او تنتقل الايعازات المناسبة له عن طريق المؤثرات او الاشارات العصبية. ولكن العجب بان يشار الى القلب وكأن له علاقة اخرى ليست فقط فسيولوجية او بايولوجية بل اكثر من ذلك الا وهي علاقته بالتقوى والايمان وهنا نلاحظ الآيات القرآنية والاحاديث النبوية الشريفة العديدة الدالة على هذا الموضوع الممتع والمثير للعجب. بعض من الايات: ( فانها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) سورة الحج 46، (قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم) سورة الحجرات 14، (انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم واذا تليت عليهم آياته زادتهم ايمانا وعلى ربهم يتوكلون) سورة الانفال 2، (وانه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الأمين. على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين) سورة الشعراء الايات من 192 الى 195، (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) سورة الرعد 28. ومن الاحاديث النبوية : (اللهم اني اعوذ بك من علم لا ينفع ومن دعاء لا يسمع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تقنع)، و(ان في الجسد مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله واذا فسدت فسد الجسد كله الا وهي القلب). اذا فكيف يفقه او يعمى القلب وهو (عضو عضلي) وهل انه تعبير يعني به قلبا اخر روحانيا مثلا وليس عضليا يجعل الله فيه نورا من الهداية والايمان. اما من الناحية الفسيولوجية فان القلب هو العضو المخلوق باذن الله في الاربعين يوم الاولى من عمر الجنين وهو يبقى نابضا بغير كلل او ملل لعقود عديدة من السنين طيلة حياة الانسان. والقلب انه جرد فانه لاهميته للحياة يبقى شغالا لوحده ولكن بانعزال عن المؤثرات الانفعالية او العاطفية التي سبق ذكرها. وهناك علاقة بين اعضاء اخرى والمخ مثل الامعاء فلقد ثبت ان حوالي ثلث المصابين بالتوترات العصبية قد يصابون بالآم الامعاء او ما يسمى بالقولون العصبي او الحساس، اما الادراك والتفكر في القلب فهذا لم نجده ولا نستطيع ان نفسره تماما من الناحية الفسيولوجية او البيولوجية حاليا، وقد تبقى العلاقة بين العقول والقلوب التي في الصدور في هذا الباب سرا إلهيا لا يمكننا معرفته الآن ولا نستطيع تفسيرها علميا او طبيا تماما او حتى مستقبلا وعند الوقوف على المعجزات القرآنية الاخرى فسوف نجد المزيد مما نعجب له ونزداد به ايمانا واما المسلم فقد يهتدي بها وبهذا القرآن باذن الله وما اكثر ما سمعنا حول هذا الموضوع عبر برامج التليفزيون والكتب والله يهدي من يشاء. وهناك طرق علاجية للقلق والتوتر تسمى Bio Feed Back حيث ان المريض يعود او يدرب على التحكم في نبضات القلب عند حالات الخوف او بعض الحالات النفسية الاخرى. العلم والتفسير: وهذا لا يعني اننا اذا وجدنا التفسير العلمي لما ورد في القرآن حينذاك فاننا نؤمن به فقط وان لم نجد نمتنع لاننا قد لا نستطيع ذلك حسب ما توصلنا او نتوصل اليه من علم (وما اوتيتم من العلم الا قليلا) سورة الاسراء. وقد يبقى العلم عاجزا امام الكثير من اسرار الغيب وقد تكون النظريات العلمية عرضة للتغير بينما الايمان لا يتغير امام ثوابت القرآن والعقيدة سواء عرفنا بعض هذه الاسرار او لم نعرفها علميا. ولا زال العلماء يجهلون الكثير من طاقات الانسان الاخرى وقد تكون له طاقات ليست فقط بيولوجية او فسيولوجية لا نعرفها الآن او لم نعرفها طبيا او علميا فانه يوجد القليل حاليا من قبيل الابحاث ما يدل على وجود بعض العلاقة بين المخ (مركز التفكير والحس والادراك) وبين القلب. وقد تكون هناك استدلالات اخرى قد يكشف عنها العلم في المستقبل عن نوع ودرجة العلاقة بين المخ والقلب ولكن لا يوجد لدينا الا الجزء اليسير الان كما ذكرنا وقد يكون للقلب تأثير مباشر او غير مباشر على الادراك والتفكير وهي بعض وظائف المخ، مما يؤدي الى القناعة ببعض المسلمات الايمانية والعقائدية واننا كما نجهل الكثير عن المخ حيث يقول بعض العلماء اننا فقط نعرف اليسير عن وظائفه لحد الآن، فاننا قد نجهل ايضا الوظائف والتأثيرات الاخرى للقلب عدا التي نعرفها الآن عن وظيفته كمضخة للدم تغذي سائر انحاء الجسم واعضائه ومنها الدماغ بالطبع والله اعلم باسرار الخلق. القلب والايمان: وقد يكون للقلب دور في تثبيت الايمان وهذا ما ندعو به احيانا (اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على الايمان) خاصة عندما يكون القلب مطمئنا (قال ولكن ليطمئن قلبي) سورة البقرة 260 قول النبي ابراهيم عليه السلام. وتشير الآيات ان العقل يستدل على الطريق اما القلب فيستقر فيه الايمان اذا اهتدى العقل وربما ينكر القلب الايمان حتى بعد ان يهتدي العقل وهكذا يمكننا ان نقول ان العقل باذن الله يهدي والقلب باذن الله يهتدي والله اعلم. والقلب وعاء يستوعب ما يمر به الانسان من مشاعر وتجارب كالايمان والشك والحسد والتشاؤم وهو المحرك الرئيسي لاحوالنا نحو الخير والشر والجدير بالذكر ان العلاقة بيننا وبين قلوبنا علاقة متبادلة فهو يؤثر فينا ويوجهنا نحو الخير او الشر ويتقلب على كل الاحوال ولكنا ايضا نؤثر فيه وهكذا اذا تكررت الذنوب وانعدم الاستغفار طمس القلب كله فذلك هو الران (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون). واذا استحكم الران في القلب فهو يصبح اغلف (قلوبهم غلف) ويصبح غير قادر على تلقي النورانية ولكنه يحتفظ بما فيه بل قد يكتسب المزيد من مصادر الشر. الخلاصة: ومن هنا نستنتج ان المخ هو العضو الاساسي في استلام المعلومات وتحليلها او تأويلها لمرحلة الادراك والمعرفة. ومن ثم خزن قسم منها او كلها بعد التعامل المبدئي سلبيا او ايجابيا تبعا لها اثناء الوعي لديمومة تأثر واتصال الانسان بمحيطه والمجتمع واتخاذ القرارات المناسبة بشكل منسجم ومناسب ولو ان ذلك يعتمد ايضا على درجة الذكاء والوعي ونوع الادراك للفرد، وان للقلب دورا ايضا بالمشاركة او بعض ردود الفعل الناتجة عن بعض هذه الوظائف الدماغية. ولا ننسى ان هناك جهازا آخر يعمل لا اراديا لا نستطيع التحكم فيه في الغالب ولا نفكر في عمله (الجهاز العصبي اللا ارادي) والذي يتحكم في عمل وتوجيه وظائف الاعضاء الداخلية كعمل المعدة والامعاء فانت لا تفكر او توجه عملية الهضم التي تتم وانت مشغول بشىء آخر او حتى وانت نائم وهذه ايضا من اعجاز خلق الله تعالى (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم) ويصدق الشاعر العربي حيث يقول (وفيك انطوى العالم الاكبر) وسوف نكون سعداء جدا ان سمعنا اكثر عن هذا الموضوع الشيق من اهل العلم والمعرفة والله العالم بأسرار الخلق والكون. د.عبدالمحسن عباس استشاري الامراض العصبية