وزير الدفاع يلتقي قائد الجيش اللبناني    "روشن" تضع حجر الأساس لمجتمع "المنار" في مكة المكرمة    خادم الحرمين يتلقى رسالة من الرئيس الروسي.. القيادة تعزي رئيس أذربيجان في ضحايا حادث الطائرة    المملكة تعزز الأمان النووي والإشعاعي    أسعار النفط ترتفع.. برنت فوق 74 دولاراً    الصين: اتجاه لخفض الرسوم الجمركية على مواد معاد تدويرها    الثقة الدولية في المملكة    محلات الرحلات البرية تلبي احتياجات عشاق الطبيعة    أحلام عام 2025    استنكرت استمرار الانتهاكات لباحات الأقصى.. السعودية تدين حرق الاحتلال لمستشفى بغزة والتوغل في سوريا    المملكة تدعم اليمن اقتصادياً ب500 مليون دولار    المسند: اخضرار الصحراء وجريان الأنهار ممكن    واتساب تختبر مزايا ذكاء اصطناعي جديدة    تغلب على المنتخب العراقي بثلاثية.. الأخضر يواجه نظيره العماني في نصف نهائي خليجي«26»    السعودية تحصد ثمار إصلاحاتها ورؤيتها الإستراتيجية    الجماهير السعودية تحتفل بتأهل الأخضر لنصف نهائي «خليجي 26»    خادم الحرمين يتلقى رسالة خطية من بوتين    في المرحلة ال 19 من الدوري الإنجليزي.. ليفربول في اختبار وست هام.. وسيتي لإيقاف نزيف النقاط أمام ليستر    رئيسة الاتحاد السعودي للريشة مي الرشيد: أشكر وزير الرياضة وسنعمل بروح الفريق    «الهويات» تقلق سكان «زاهر مكة»    مبادرات تطوعية    ضبط أكثر من 23 ألف مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    «عزف بين التراث والمستقبل».. متحف طارق عبدالحكيم يحتفي بذكراه السنوية الأولى    "الرياض آرت" يُعلن مشاركة 30 فنانًا من 23 دولة في ملتقى طويق الدولي للنحت    من دفتر الأيام: مشوار في قصرغرناطة بأسبانيا    في إطار الجهود المبذولة لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030.. إطلاق فعالية «ليالي الفيلم الصيني»    يوم ثقافي لضيوف برنامج خادم الحرمين    تقدير دعم المملكة لقيم الاعتدال حول العالم    ضيوف "برنامج خادم الحرمين" يزورون مصنع الكسوة    طريقة عمل بسبوسة السينابون    أحد رفيدة وزحام العيادات.. مطالبات بمركز متخصص للأسنان    5 سمات شخصية تميز المتزوجين    طريقة عمل شيش طاووق مشوي بالفرن    5 آلاف خطوة يوميا تكافح الاكتئاب    الحرب العالمية الثالثة.. !    ماسك يؤكد دعمه حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف    المنتج الإسباني غوميز: «الجمل عبر العصور» جدير بالحفاوة في أي بقعة من الأرض    قائد "الأخضر" سالم الدوسري يحصل على جائزة رجل مباراة السعودية والعراق    شولتس: لا أنام إلا قليلاً رغم أني من محبي النوم لفترة طويلة    المنتدى السعودي للإعلام يطلق معسكرًا لتطوير الإعلام السعودي بالذكاء الاصطناعي    من الشهرة إلى الثروة: هل نحتاج إلى رقابة مالية على المؤثرين؟    «الفنيلة والسروال» والذوق العام    المطار.. عودة الكدادة !    القيادة تعزي رئيسة الهند    منصة X: الطريق إلى القمة أو للقاع    الصقور تجذب السياح في الصياهد    «سلمان للإغاثة» يوزع 1.494 من السلال الغذائية والحقائب الصحية في إدلب السورية    ضبط 6 إثيوبيين في عسير لتهريبهم (210) كيلوجرامات من نبات القات المخدر    اللغة العربية كنز خالد    «حمام الحرم» يستوقف المعتمرين    "الإسلامية" تؤهل الأئمة والخطباء والدعاة في تايلند    سعود بن جلوي يتوج الفائزين في «تحدي غرس القيم»    911 نموذج مثالي لتعزيز الأمن والإنسانية    الأخضر السعودي يتغلّب على العراق بثلاثية ويتأهل لنصف نهائي خليجي 26    أمير القصيم يرعى حفل جائزة الذكير لتكريم 203 طلاب متفوقين    الرويلي يرأس اجتماع اللجنة العسكرية السعودية التركية المشتركة    99.77 % مستوى الثقة في الخدمات الأمنية بوزارة الداخلية    وزير الدفاع وقائد الجيش اللبناني يستعرضان «الثنائية» في المجال العسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانتخابات البلدية في 2/1/1426ه
نشر في تواصل يوم 21 - 09 - 2011

الحمد لله الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة، وجعل أمتنا خير أمة، وبعث فينا رسولاً أرسله للعالمين رحمة، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم؛ صلاة تكون لنا نورًا من كل ظلمة. أما بعد: عباد الله! لقد جاءت الشريعة بتحصيل المصالح وتكميلها، ونفي المفاسد وتعطيلها، وشريعة الإسلام شريعة خالدة عالمية كاملة، وجاءت لتحقيق مصالح البشر إلى قيام الساعة، ومن شمولية هذا الدين وكماله استيعابه لكل المستجدات، ورعايته للأحوال الحادثة مهما اختلف الزمان والمكان. ومن أعظم ما عُني به الإسلام ما يتعلق بالسياسة الشرعية، حيث وضع أصولاً ومنطلقات لهذا الجانب العظيم من حياة الأمة، وقد استجدت أحوال وأوضاع في القرون الماضية تصدى لها العلماء بالبيان والتحقيق، وألّفوا في ذلك الكتب والرسائل المعينة على تنزيل تلك الأحوال في منازلها الشرعية، ومن أهم ما أُلِّف في ذلك "السياسة الشرعية" لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، حيث جلّى كثيرًا من الحقائق، وبيّن الحكم الشرعي في كثير من المسائل المشكلة. وقد استجد في هذا العصر في جانب سياسة الدول وإدارتها لشؤونها [إلى هنا من مقدمة د.ناصر العمر من الانترنت ..؟] كثير من المصطلحات، فقد أصبحنا نقرأ ونسمع كلمات لم نعهدها من قبل، مثل الانتخابات، المشاركة الشعبية، الحوار والرأي الآخر، المشاركة في صنع القرار، وغير ذلك مما يتغير بتغير الزمان والأحوال، ويتساءل كثير من الناس عن مثل هذه المستجدات وشرعيتها، فمثلاً حديث الساعة اليوم عن الانتخابات لمجالس البلديات، فقد كثر السؤال عن حكم المشاركة فيها؟ ويُردد البعض أنها وافد أجنبي ونظام غربي فيجب الحذر منها؟ ولا شك أن الأصل الشرعي أن ولي الأمر يجتهد في اختيار الأكفاء الصُّلحاء لولاية أمور الرعية، ويستشير في ذلك أهل الخبرة والنصح، ولكن إذا رأى ولي الأمر أن المصلحة في أن يطلب من الناس أن ينتخبوا، ولم يكن هناك محظور شرعي، فقد رأى كثير من العلماء جواز المشاركة بل أوصى الكثير منهم بالمشاركة والحث عليها لما فيها من المصالح ولآثارها المنتظرة في تحسين البلاد، وبذل المستطاع لتسهيل منافع العباد، فالقيام بخدمات الناس و تسهيل مصالحهم اليومية من أوجب الواجبات الشرعية، وفي المسند لأحمد أن النبيr قال: (( لَا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تُعْطِيَ صِلَةَ الْحَبْلِ، وَلَوْ أَنْ تُعْطِيَ شِسْعَ النَّعْلِ، وَلَوْ أَنْ تَنْزِعَ مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ الْمُسْتَسْقِي، وَلَوْ أَنْ تُنَحِّيَ الشَّيْءَ مِنْ طَرِيقِ النَّاسِ يُؤْذِيهِمْ…)) هذا في الخدمات الفردية الاختيارية، فكيف بالخدمات العامة الواجبة شرعًا كتعبيد الطرق، وإنارتها، وتسهيل إيصال الخدمات الضرورية من ماء وكهرباء وهاتف، ووسائل نقل لفك الاختناق في المدن، وعمل حدائق ومنتزهات وميادين عامة، ومراقبة الأسواق في المواد الاستهلاكية والغذائية وإتلاف الفاسد منها..وغير ذلك من المنافع، وقد منحت مجالس البلديات المقررة صلاحيات واسعة في هذه الجوانب، سواء باشرته البلدية بنفسها، أو اشتركت ونسقَّت مع الجهات الأخرى ذات العلاقة . بل إن مجلس البلدية بيده القضاء على كثير من صور الفساد؛ كالمحسوبية والرشاوى، وتسيب الموظفين، والاختلاط والتبرج في الحدائق العامة، وكثير ممن يشكو منه الناس اليوم، وما دام أن الانتخابات أصبحت أمرًا واقعًا، فلا بد من تفعيل مثل هذه الخطوات الإصلاحية، مهما كانت ملاحظاتنا وانتقاداتنا، أو حتى شكوكنا في جدواها كما يردد البعض، فالإصلاح لا يمكن أن يكون أبدًا بين يوم وليلة، ولا عشية وضحاها، ولا بخطوة أو خطوتين، بل هو مراحل وزمن، ونقد إيجابي، وتوجيه وإرشاد، إلى أن نصل للهدف المنشود، والانتخابات للمجالس البلدية خطوة على الطريق، علينا أن نباركها ونسددها، وأن ننبذ المفاهيم والتصورات الخاطئة، أو اليائسة أو تحاليل المجالس بأن مثل هذه الانتخابات استهلاك سياسي، ومجرد كلام، وأنها نتيجة ضغوط خارجية، وغير ذلك من القيل والقال، بل إن هذه فرصة للمشككين للتجربة وتقييمها، بدل الكلام من بعيد وقطع الطريق أو التثبيط لكل محاولات الإصلاح، وإن لم يبادر أهل الخير والخبرة والعقل لمثل هذه المجالس فسيسبق إليها من يريد الإفساد باسم الإصلاح، ومن يسعى لتطبيق النموذج الغربي بحذافيره دون مراعاة لدين أو لقيم اجتماعية، وسيركض لها من يسعى لتقديم مصالحه الخاصة والفردية، وهذا كله خطر يوجب المشاركة الإيجابية، والنصح والتعاون على البر والتقوى لما في مصلحتنا جميعًا، فالوطن سفينتنا والجميع على متنها، وهناك مستجدات ومتغيرات تستوجب الوعي و الاستعداد، فالوطن تواجهه تحديات صعبة تستلزم من العقلاء وأهل الخير جميعًا الوقوف صفًّا واحدًا كالبنيان المرصوص حتى لا يخترقه الأعداء والمرجفون بسهولة، وإذا فات الفوت لا ينفع الصوت، كما يقول المثل، فهيا أيها المسلمون لنضع أيدينا بأيدي بعضنا، فهي فرصة ثمينة إما لنا أو علينا، هي لنا متى أدركنا وفهمنا حقيقة الاختيار، وهي علينا جميعًا متى أهملنا وفرطنا وقدمنا مصالح الفرد والقبيلة على مصالح الأمة والدين والوطن. أيها العقلاء! هناك مائة وثمانية وسبعون مجلسًا بلديًّا في ثلاث عشرة منطقة في المملكة، واختيار نصف الأعضاء بالانتخاب، والنصف الآخر يتم تعينهم من قبل الجهات المسؤولة، أي سيتم اختيار نحو ألفين مواطن للمشاركة في إدارة الدولة، وسيكون هؤلاء عونًا لولي الأمر، ونصف هؤلاء أنتم من يرشحهم، ما أروع هذا وأجمله لو أحسنا الاختيار! كم سيكون من الخير والإصلاح للبلد، إن لهذا أثرًا كبيرًا في دفع عجلة الخير والتنمية والإصلاح الحقيقي، وهذا يدعو أن نؤكد أن مثل هذه المستجدات لا بد أن يستجد معها كثير من الوعي والفقه لتؤتي ثمارها على الوجه المطلوب، فلا بد من بث الوعي بالمشاركة، وليست أي مشاركة بل المشاركة الصحيحة، فهي أمانة ومسؤولية، ولا بد من تحمل الجميع للمسئولية، فهل سألت نفسك أخي لمن ستعطي صوتك؟ فصوتك لا يباع ولا يشترى من أجل دنيا دنية، أو مصلحة فردية، بل هو أمانة ومسؤولية، ستسأل عنه يوم القيامة، والتفريط فيه خزي وندامة، فابذل صوتك من أجل إحقاق الحق ونشر الخير وقمع المنكر ونفع الناس، إنه لو طلب منا ترشيح لاعبي المنتخب، لحرص كل منا على اختيار أفضل لا عب، لأنه سينزل الميدان وستظهر مهاراته الفنية على حقيقتها، وهكذا أنت عند انتخابك عضو المجلس البلدي، فالميزان هو: القدرات والمهارات، وحسن الأمانة والديانة، وليس العشائرية، والمصالحية، أو الوجاهة، أو الحزبية، أو حتى مجرد الصلاح، نعم كلنا يحب نفسه، وكلنا يحرص على مصالحه الخاصة، لكن عندما تتعارض مع المصلحة العامة فلا يجوز لأحد أن يكون أنانيًّا لا يهمه إلا نفسه ومصلحته، إن هذا المعنى يجب أن نتربى عليه، وأن نغرسه في نفوس أجيالنا، فمستجدات الساحة كثيرة، وتحتاج لفقه ووعي وتربية لنا ولأجيالنا. أيها المسلم! إن مرشحك نائب عنك في إيصال صوتك للمسؤولين، ونائب عنك في تحقيق رغبتك في الإصلاح، ونائب عنك في تحقيق احتياجاتك وطموحاتك، ونائب عنك في النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فاتق الله فيمن ترشح، ومن تختار، فإن أحسن فأنت مشارك له بالأجر والخير، وإن أساء فأنت وإياه سواء، فتنبه واتق الله أيها الناخب! وأوصيك بما أوصى الله به في القرآن: ]إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ([القصص:26]، نعم القوي الأمين، وليس فقط الصالح بنفسه أو فقط القوي بتجربته أو تخصصه، بل قوي وصالح، فصلاحه لأمانته ومراقبته لربه، وخوفه من الخالق لا المخلوق، وأما قوته فبمعرفته وخبرته بأمور المجتمع وما يحتاجه العباد والبلاد من خدمات. وإذا كان المنتخبون من أصحاب المنافع والمطامع والمصالح الذين يحسبون لحسابهم ومنافعهم الشخصية أكثر مما يحسبون لأمتهم ولبلدهم، فكيف تكون النتائج؟ ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة t: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ r فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ، جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ r يُحَدِّثُ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: سَمِعَ مَا قَالَ، فَكَرِهَ مَا قَالَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ لَمْ يَسْمَعْ. حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ: ((أَيْنَ أُرَاهُ السَّائِلُ عَنْ السَّاعَةِ؟)) قَالَ: هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: ((فَإِذَا ضُيِّعَتْ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ)) قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: ((إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ)). إن من الخطأ بل هو منكر جسيم أن يسند الأمر إلى غير أهله، إما لهوى أو مصلحة خاصة، أو لمجرد القرابة والرحم، فيجب أن يكون ركيزة الاختيار مصلحة العباد والبلاد، وأن نرفع شعار: مصلحة المجتمع والجماعة أولاً، ولا بأس أن تأتي المصلحة الخاصة للفرد أو القبيلة تبعًا. وقد يساهم بعض الصالحين وأهل الخير في إسناد أمر تلك المرافق المهمة إلى غير أهلها، إما سلبًا أو إيجابًا، وذلك بالإحجام أو بالمشاركة التي يكون الإحجام خيرًا منها، ونتيجة إسناد الأمور إلى غير أهلها: فساد أمر المجتمع، وتتبع الأهواء، وتكون الأثرة والجشع، فتعالوا -أيها المسلمون- لنشكر هذه النعم ولنكون أكثر وعيًا وفقهًا، ولنراجع أنفسنا، فقد يكون أحدُنَا مسؤولاً عن إسناد أمر إلى غير أهله وهو لا يدري، ومثل هذا الوعي والإدراك فيه قطع الطريق على من يستغل هذه الولايات لأهداف شخصية أو لمآرب أخرى .
على المرء أن يسعى إلى الخير جُهْدَه وليس عليه أن تتم المقاصدُ
وجملة القول: لا بد أن يعي الناخب أن ذمّته الشرعية، وضميره الوطني يفرض عليه اختيار الأصلح للناس، وإلا فإننا نحفر مزالقنا بأيدينا، ونكون كمن نصب الكمين لنفسه، فالبلد بلدنا، والمصالح لنا جميعًا، فيجب أن يميز الناخب بين الغث والسمين، وأن يكون نصب عينيه قبل كل معيار: صلاح المرشح في نفسه، وصلاحه الاجتماعي، وخبرته وتميزه في خدمة الناس ورفقه بهم، ف ]إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ(. وإني أنصح بل وأرجو كل قادر أعطاه الله قوة وأمانة أن لا يتردد في ترشيح نفسه، وأن يحتسب ويصبر فهو باب جهاد عظيم، وأن لا يتورع، فليس هذا مكان الورع، بل هو واجب ودين، فلا يترك المجال للفارغين والمبطلين، ومثل هذه الأمور من فروض الكفايات إذا قام به البعض سقط عن الباقين، وإلا فالجميع آثمون ويسألون، وعلى من رشح نفسه أن يُخلص النية لله في ترشيح نفسه، وأنه حرص على ذلك قربة وطاعة من أجل النفع العام، وليكن قدوته في ذلك نبي الله يوسف عليه السلام، حيث ]قَالَ: اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ([يوسف:55]، فإن علم من نفسه قدرته على حفظ الأمانة والعلم والدراية، وقوة الحجة والمناقشة، فليرشح نفسه، وإلا فليتق الله ولينجو بدينه وسمعته، فإن عليه رقيبًا يزن مثاقيل الذر، ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، فمثل هذه المجالس تكليف وليست بتشريف، وهي نصب وليست بمنصب، فهي أمانة فهو سيكون عوناً لولي الأمر في القرار والنصيحة وسيشاركه المسؤولية، فما أعظمها في ميزانه إن أخلص ونصح! وما أخزاها وأنتنها إن فرط وضيع، وسكت وجامل، وأهم صفات التي يجب أن يتحلى بها المرشح: الإخلاص لله أولاً، وقوة المعرفة والخبرة ثانيًا، والصبر وحسن الخلق ثالثًا، والتفاعل وخدمة الوطن والمواطنين رابعًا، والحرص على تقديم المصالح العامة على المصالح الشخصية، والانتماءات القبلية والمذهبية والمناطقية والعرقية والحزبية خامسًا، وأن يكون لديه وقت ليخطط ويفكر ويطالب سادسًا، وأن يكون أمينًا، قويًّا، عاقلاً حكيمًا جريئًا، فاهمًا ومدركًا وبعيدَ نظرٍ، يعرف المصالح والمفاسد. والله نسأل أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يولي على المسلمين خيارهم، وأن يجعلنا من ]الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ(، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم .
إنا لنفرح بالأيام نقطعها وكل يوم مضى يُدني من الأجل
فاعملْ لنفسك قبل الموت مجتهدًا فإنما الربحُ والخسران في العمل
قال ابن رجب -رحمه الله-: "يا من يفرح بكثرة مرور السنين عليه، إنما تفرح بنقص عمرك. وقال الفضيل بن عياض لرجل: كم أتى عليك؟ قال: ستون سنة. قال: فأنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك، يوشك أن تبلغ . فقال الرجل: ]إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ(. قال الفضيل: أتعرف تفسيره تقول:]إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ(! فمن علم أنه لله عبد وأنه إليه راجع فليعلم أنه موقوف، ومن علم أنه موقوف، فليعلم أنه مسؤول، فليعد للسؤال جوابًا، فقال الرجل: فما الحيلة؟ قال: يسيرة. قال: ما هي؟ قال: تحسن فيما بقي يغفر لك ما مضى، فإنك إن أسأت فيما بقي، أُخذت بما مضى وما بقي، والأعمال بالخواتيم، فحاسبوا أنفسكم عباد الله وعظوها، واعتبروا بسرعة مضى الشهور والأعوام، ثم اعلموا ونحن نستقبل هذا العام الجديد، أنه ليس من السُّنَّةِ أن نحدث عيدًا لدخوله أو نعتاد التهاني ببلوغه، فليس الغبطة بكثرة السنين، وإنما الغبطة بما أمضاه العبد منها في طاعة مولاه، فكثرة السنين خير لمن أمضاها في طاعة ربه، وشر لمن أمضاها في معصية الله والتمرد على طاعته، وشر الناس من طال عمره وساء عمله، ((اِغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ, وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ, وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ, وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ)). نسأل الله أن يرزقنا جميعًا ووالدينا طول العمر وصلاح العمل، مع صحة وعافية. اللهم إنا نسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم. نسألك أن تغفر لنا ذنوبنا في عامنا هذا، واجعله خير شاهد لنا برحمتك يا أرحم الراحمين، وبارك لنا في عامنا الجديد، واجعله عام خير ونصر لنا وللمسلمين في كل مكان، اللهم انصر المسلمين المستضعفين، وكن عونًا لهم يا رب العلمين، وانتقم لهم من الظالمين، اللهم انصر جندك وكتابك وسنة نبيك، وأعل كلمة الحق، اللهم أصلح ولاة أمورنا، ووفقهم لما تحبه وترضاه، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، اللهم ألف بين قلوبهم وقلوب رعيتهم، واجمع كلمتهم على التوحيد يا رب العالمين. اللهم اشف مرضانا وجميع مرضى المسلمين، وارفع عنهم البلاء برحمتك يا أرحم الراحمين، والحمد لله رب العالمين .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.