حامل القرآن يقضي ليله في قراءة القرآن، وقيام آناء الليل بالقرآن، يتلوه ويتعلمه ويتهجد به، ويكون ذلك سر خفي بين العبد وربه لا يراه الناس. أما آناء النهار فهو العمل به علنا أمام الناس لأمر الله تعالى بالعمل، ولكي يكون قدوة لغيره فيصيبه ثواب من اقتدى به. وهذه من الأمور التي جعل الله التنافس فيها واجب، والغبطة فيها ممدوحة. فهناك حسد ممقوت، وهو تمني زوال نعمة الغير، والحسد الممدوح هو تمني الحصول على مماثلة المحسود في العلم أو في المال. وتسمى تلك الغبطة. وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار". متفق عليه ويوضح الحديث فضل من يؤتى القرآن ويعمل به، ثم فضل من يؤتى المال ويشير ذلك إلى فضل العلم على الصدقة. ولا حرج على من يغبط غيره في نعمة ويشتهي لنفسه مثلها؛ طالما لم يحب زوالها عنه ولم يكره دوامها له، نعم إن كانت تلك النعمة دينية واجبة كالإيمان والصلاة والزكاة فهذه المنافسة فيها واجبة وهو أن يحب أن يكون مثله لأنه إذا لم يكن يحب ذلك فيكون راضيا بالمعصية وذلك حرام. وإذا كانت النعمة من الفضائل كإنفاق الأموال في المكارم والصدقات فالمنافسة فيها مندوب إليها وإذا كانت نعمة يتنعم بها على وجه مباح فالمنافسة فيها مباحة . وكيف لا يغبط حامل القرآن، وقد أوتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحيا بنص معين هو القرآن الكريم والسنة بلفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن أوتي القرآن الكريم فقد حصل على ما أوحى الله تعالى إلى رسوله بنصه لكنه يفرق عن رسول الله بأنه لا يوحى إليه، وهكذا فإن العلماء ورثة الأنبياء لا يورثون الدرهم والدينار ولكن يورثون العلم والعمل به ونشره بين الناس. وإن من تعظيم المرء لله تعالى تعظيمه لكتاب الله. ومن أوتي خيرا كثيرا فعليه أن يشكر الله تعالى على تلك النعمة العظيمة وأن يشعر بكبر تلك المنة والفضل الذي آتاه الله تعالى إياه. جعلنا الله من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته.