لم يكن العرب في الجاهلية إلا أمة أمية؛ لا تعرف القراءة ولا الكتابة، اللهم إلا بعض من السادة، وقد اضطرتهم أميتهم إلى تسمية السنين بأسماء مناسباتها التي تساعدهم على معرفة التاريخ؛ فأرخوا بالأحداث الشهيرة، حتى صار ذلك أمرًا دارجًا في الجاهلية، ومن أشهر تلك السنين «عام الفيل»، وذلك تأريخًا منهم للعام الذي هجم فيه «أبرهة بن الصباح الحبشي» المشهور ب «أبره الأشرم» على مكة مريدًا هدم الكعبة، وهو نفس العام الذي شهد مولد النبي صلى الله عليه وسلم. واستمرت تلك العادة بعد مجيء الإسلام، فتجد كتب السير تسجل للأعوام في بداية تدوين السيرة النبوية ب «عام الحزن» – مثلًا – وهو العام الذي مات فيه عم النبي «أبو طالب»، وتوفيت فيه زوج النبي «خديجة بنت خويلد» رضي الله عنها؛ فسمي العام ب «عام الحزن». و«عام الرمادة» الذي شهد مجاعة شديدة في عهد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه –، وسميت السنة التي بايع فيها «الحسن بن علي بن أبي طالب» «معاوية بن أبي سفيان» – رضي الله عنهما – بالخلافة ب «عام الجماعة» وهي سنة 41 ه. وكثيرة هي الأعوام التي سميت بأسماء أهم أحداثها، سنوات أخرى بنفس الاسم لأحداث معينة مثل سنة 60 ه، وسنة 73 ه، وسميت سنة 69 ه ب «سنة الطاعون الجارف» لكثرة من مات فيها بسبب الطاعون الذي انتشر وساد وبائه بداية من «طاعون عمواس» وهي قرية بالشام قضى فيها أمين الأمة «أبو عبيدة بن الجراح» – رضي الله عنه – وكثير من الصحابة، والتي تذكر كثيرًا هذه الأيام لما فيها من أحكام التعامل مع الجوائح والأوبئة التي دشنها الإسلام دليلًا على حضارة ذاك الدين وتحضره. ويُرجع اعتماد الناس قديمًا على ذاكرتها في تأريخ الأحداث، للأمية التي كانت منتشرة وعدم معرفة الكثير بقواعد القراءة والكتابة، كما أن اهتمامهم في تلك الفترة كان مُركزًا على كسب قوت اليوم أكثر من تعلم القراءة والكتابة؛ فكانت أسهل طريقة لتذكر هذه السنين هو إطلاق اسم عليها. وبنفس الطريقة والمنهج اكتسبت أشهر سنوات تاريخ جزيرة العرب أسمائها. وإن نظرنا إلى جزيرة العرب خصوصًا في نجد والجزيرة العربية، نجد أن تسمية السنوات بالأحداث الشهيرة أمرًا معتادًا، غير أن التسمية غالبًا ما تكون مقتصرة مكانيًا على منطقة حدوث الواقعة والحدث، أو على القبيلة بذاتها التي عاينت ذاك الحدث أو تلك الواقعة، وربما تشيع التسمية إن كان الحدث شهيرًا وجسيمًا، وهذا ما نتحدث عنه في المقال القادم بإذن الله. خالد الدبوس الشراري