إن من أجل النعم وأعظمها على الإنسان نعمة الوقت، الذي هو حياته وميدان وجوده وساحة ظله وبقائه ونفعه وانتفاعه، ونجاحه في الدنيا وسعادته في الآخرة، بل هو أنفس وأثمن ما يملكه. قال ابن القيم –رحمه الله-: (وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته في العذاب الأليم). ويقول حكيم عربي: (من أمضى يوماً من عمره في غير حق قضاه، أو فرض أداه، أو خير أسسه، أو علم اقتبسه، فقد عق يومه وظلم نفسه). وقيل: من علامات المقت إضاعة الوقت. ودقائق عمرك غالية فلا ترخصها بالغفلة. والوقت محدود وليس في اليد حيلة لإطالته، وإنما في الإمكان التخفيف من إهداره، واستخدامه على نحو مثمر مفيد. وفي المثل الإنجليزي: أي جريمة أكبر من إضاعة الوقت؟ ويشترك جميع الناس الأغنياء والفقراء، الأقوياء والضعفاء، الناجحون والفاشلون، المشهورون والمغمورون في أنهم يملكون أياماً تتكون من (24) ساعة، ولكن الفارق بينهم هو كيفية إدارة تلك (24) ساعة. وتعتمد إدارة الوقت في قدرة الفرد على إدارة نفسه وتوجيه مشاعره وأفكاره وإمكانياته وإدارة الظروف المحيطة نحو الأهداف التي يصبوا إلى تحقيقها. وتتعدد الاستراتيجيات التي يمكن من خلالها تحقيق إدارة فاعلة للوقت تصل بالإنسان المسلم إلى مستويات عالية من النجاح، ومن تلك الاستراتيجيات العامة والفاعلة إستراتيجية (كن)، التي توجه الفرد إلى سلوكيات إيجابية تساعده على استغلال وقته واستثماره فيما يحقق أهدافه، ومن تلك السلوكيات ما يلي: (1) كن مبادراً: فالتسويف من أكبر مضيعات الأوقات ويؤدي إلى فشل الإنسان، ويحول دون تحقيقه لأهدافه، والخطوة الأولى للتخلص من هذا الداء هو المبادرة. ولكي تحقق صفة المبادرة اقتراح عليك ما يلي: - اتخذ لنفسك شعاراً (الآن الآن). - تجنب استخدام عبارات الكسولين، مثل: (الوقت متأخر، لم يحن وقته،…الخ). - التزام بتنفيذ خطتك المحددة لتحقيق أهدافك. - ضع وقتاً محدداً للانتهاء من كل مهمة. - اجعل لنفسك حافزاً على المبادرة. (2) كن مخططاً: التخطيط هو رسم صورة واضحة للمستقبل، وتحديد الخطوات الفاعلة والفعلية للوصول للأهداف المحددة في ضوء الفرص والإمكانيات المتاحة. ومما اقترحه لك لكي تنجح في التخطيط ما يلي: - تعرف على كيفية التخطيط الناجح وكيفية وضع الخطط. - عند بناء خطتك يجب مراعاة إمكاناتك وقدراتك. - لتكن خطتك طموحة وتتطلع فيها للأفضل، ولا ترضى بالدون. - لا تستسلم للأمور العاجلة والحرص على ترتيب الأولويات. - اكتب خطتك وضعها في مكان بارز أمامك. (3) كن مفوضاً: بمعنى امنح الآخرين بعض سلطتك للقيام ببعض مهامك تحت إشرافك، ومن أهم فوائد التفويض: زيادة مقدار الوقت لديك، وجعلك قادراً على القيام بأكثر من عمل في وقت واحد، كما يجبرك التفويض على تنظيم وقتك. ولكي يحقق التفويض فاعليته في إدارة وقتك اتبع القواعد الأساسية التالية: - اختر الشخص المناسب والقادر على تحمل المسئولية. - درّب الشخص المفوض حتى يحقق أهدافك المطلوبة. - وفّر البيئة المناسبة لعمل المفوض. - فوّض المهمة –كلما أمكن- كاملة، وامنح المفوض الشعور بالإنجاز. (4) كن خلافياً: الإنسان الخلافي هو الشخص الذي يطبق قاعدة: (عش قريباً من القمة وليس عليها حتى تتجنب الزحام). إن تطبيق (كن خلافياً) في إدارة الوقت تساعدك في القيام بالعديد من الأعمال في الوقت الذي لا أحد غيرك يفعلها. (5) كن قادراً على قول: (لا): يجد كثير من الناس صعوبة في قول: (لا) للآخرين، لأنها قد تبدو تحدياً للآخر، أو رفض له، ولرغبة الكثير في صحبة الآخرين والخشية من كراهيتهم. ولكي تقول: (لا) دون أن تخسر الآخرين يمكن إتباع الآتي: - قبل قول: (لا) اشرح للآخر الأسباب التي بنيت عليها قرارك (لا). - قل: (لا) بتأدب وبصوت غير مرتفع ولا منفر، بل بأسلوب أخوي ومؤدب. - قل: (لا) مع ذكر البدائل. - قل: (لا) المشروطة. (لا) ولكن إذا فعلت كذا وكذا سأقول: (نعم). - اترك الباب مفتوحاً لتقول: (نعم) فيما بعد، إذا استوجب الأمر ذلك. (6) كن حازماَ: لابد أن تكون حازماً في تنفيذ هذه السلوكيات لتحقيق إدارة وقتك بنجاح، لأن التردد من أهم العوامل التي تؤدي إلى ضياع أوقاتنا، والحزم هو الإستراتيجية الفاعلة لاستثمار الوقت خير استثمار، وصدق الشاعر إذ يقول: إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإن فساد الرأي أن تترددا أخيراً: إن أعز شيء نملكه القلب والوقت، فإذا أهملنا القلب وأضعنا الوقت فلا طعم للحياة.