مرت الكتابة التاريخية في أطوار متعددة، ففي الوقت الذي كان التاريخ مجرد سرد للأحداث، أو تدوينها دون نقد، أو تمحيص، أو حتى محاولة التثبت من صحتها، كان أول صورة دون بها التاريخ صورة قصصية، حيث ذكرت الأخبار الأولى عن الأحداث التي مرت بالخليقة منذ نشأتها الأولى كقصة خلق الإنسان، والطوفان وغيرها. وبدأ الإنسان منذ فجر الخليقة يحكي لأبنائه وأحفاده القصص عن الأجداد والسلف، وامتزج القص الحقيقي بالخيال، وبذلك بدأ الإنسان يهتم بأخبار أسلافه السابقين؛ ولعل الهدف الأساس هو اتخاذ العظة والعبرة من الماضي، وتوضيح الحاضر، والنظر إلى المستقبل في ضوء هذا الماضي بعظاته وعبره. ومرت الكتابة التاريخية بعدة مراحل، فقام الكاهن «مانيثون» أيام المصريين القدماء – الذي عاصر بطليموس الأول والثاني – بوضع تاريخ لمصر القديمة على نظام الحوليات، لكنه فقد ولم يبق منه إلا شذرات قليله. وألف «بيروسوس» – أيام البابليين – كتاب عن تاريخ بابل (250 ق. م) لكنه فُقِد فلم يصل إلينا. وكتب «هكتيوس» – أيام الإغريق – عن أصل الشعب الإغريقي في القرن السادس قبل الميلاد. أما «هيرودوت» الملقب أبي التاريخ، فكتب عن النزاع بين الإغريق والفرس. واهتم «ثوكوديديس» ب «حرب البلوبونيز» بين أثينا وإسبارطه. أما «هوميروس» الذي تنسب إليه الإلياذة والأوديسة، فقد تميزت كتابات الإغريق بالبعد عن الخرافات والأساطير وبمحاولة الوصول إلى تفسير منطقي للأحداث. وكان منهم «بوليبيوس» – أيام الرومان – إغريقي عاش في القرن الثاني قبل الميلاد، وكتب عن المدينةالرومانية، وفتوح الرومان وأنظمتهم السياسية والاقتصادية، وعن حكم يوليوس قيصر. وكتب «ليفي» في تاريخ الجمهورية الرومانية. و«تاسيت» الذي تحدث عن الفساد الاجتماعي والتدهور الخلقي في روما. وقد أثرت المسيحية في تقييد الأحداث التاريخية. أما العرب فقد توسعوا في الكتابة التاريخية وتطورت في أيامهم وهو مدار ح