تواصل – مقالات: عريقة هي الأمم والدول حينما تحفظ ذاكرتها، وتحتفظ بإرثها وتاريخها، وتنطلق للمستقبل متصالحة مع ماضيها، غير عابئة بالعثرات ومقتضيات التجارب، ولا واقفة عند نقطة تلعق الجراح أو تتكلف لها الاعتذار، بل تنظر فيمايجعل ما مضى درجة من درجات السلم الذي ترتقي به نحو غاياتها المنشودة. وإنها لأمة عظيمة، وحضارة قوية، وثقافة عميقة، تلك التي تصنع ذلك، وتتجاوز العقبة تلو الأخرى الكؤود منها فما دونها، حتى تبلغ الموضع المراد المستحق لها. وبما أننا في أجواء الثقافة والمواسم؛ فبعد عام تحلُّ ذكرى مرور مئة سنة على طباعة أول كتاب معروف في الدولة السعودية الثالثة من تأليف أحد أبنائها، وهو الكتاب الذي ألفه عن أدباء الحجاز الشيخ محمد سرور الصبان عام (1344) قبل أن يصبح وزيرًا للمالية والاقتصاد الوطني بثلاثة عقود، ثم تتابعت بعده المؤلفات على اختلافها. وهذا لا يعني أن ذلكم الكتاب هو أول كتاب في تاريخنا إذ سبقته كتب لعلماء ومؤرخين وأدباء، وإنما مزية كتاب الصبان حيازته السبق في الدولة الحديثة. بناء على ذلك، يمكن حفظ التاريخ الثقافي لبلادنا ليس في جانب الكتاب فقط، وإنما من نواحٍ ثقافية عديدة خلال قرن مضى، مثل تحديد ما يلي: * أهم مئة كتاب سعودي مطبوع. * أهم مئة كتاب مرتبط بمقرر جامعي ألفه أكاديميون سعوديون. * أهم مئة كتاب في التاريخ السعودي. * أهم مئة كتاب بلداني يتعلق بالسعودية. * أهم مئة كتاب مطبوع حكوميًا، وفي هذا السياق أشير إلى ما روي عن الشيخ بكر أبو زيد أن أهم مشروع علمي سعودي معاصر هو طباعة فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية في سبعة وثلاثين مجلدًا. * أهم مئة عمل ترجمه سعوديون. * أهم الأعمال السعودية المترجمة للغات أجنبية. * أهم مئة مكتبة شخصية سعودية. * أكثر مئة شخصية سعودية لها تآليف، ويمكن إفراد المؤلفات من النساء بقائمة خاصة. * أهم الديوانيات والصالونات الأدبية السعودية. * أنشط مئة مكتبة ودار نشر سعودية. * أهم مئة حدث ثقافي. * أهم مئة قصيدة لشعراء سعوديين. وسوف ينبني على مثل هذا الإحصاء معلومات كثيرة مفيدة مثل: * ما هو الحقل الذي يؤلف فيه السعوديون أكثر من غيره؟ * ما هي أكثر السنوات تأليفًا؟ * ما هي أكثر المناطق نشاطًا ثقافيًا؟ * ما هو التخصص الجامعي الذي تكثر فيه الكتب المرجعية السعودية؟ * ما هي أنشط دار نشر؟ * متى كان أول معرض كتاب وصالون ثقافي عام؟ * ما هو الغرض الشعري الأظهر لدى السعوديين؟ * ما هي اللغات التي ترجم عنها السعوديون أن ترجمت إليها أعمالهم؟ ومن الطبيعي أن ينبني على الإحصاء السالف أسئلة عن مستوى النجاح في تسويق المنتج الثقافي السعودي، وكيف يمكن جعل الكتب المرجعية مقررات ومصادر معتمدة في الجامعات، ومقترحات للمشاركة في المعارض الإقليمية والدولية، إضافة إلى إثراء الحركة الفكرية والثقافية عمومًا، وتقديم تجربة عربية منظورة ومحددة؛ كي يتعرف القراء خارج الحدود إلى تلك الجهود وذلكم التاريخ، ولا يظنن بنا ظانٌّ شيئًا غير ما بلادنا أهله من علم وأدب ومنجز معرفي مؤثر ونافع، وإن هذا العمل وأمثاله لمن المداخل الناعمة السلسة في تحصيل مكاسب عدّة، ولو لم يكن الشأن كذلك لما أنفقت الدول مبالغ طائلة من موازناتها على الثقافة والأدب والفكر. أشير في الختام إلى أن مثل هذا المشروع الكبير لا يقوى عليه الأفراد في الغالب، ويحتاج إلى رعاة من خلفه يساندونه بالمال والمتابعة والمراجعة وما يستلزمه من إذاعة ونشر. ومن المهم أن يتم العمل فيه وفق أسس علمية موضوعية لا مكان فيها للمجاملة أولأي حساب بعيد عن العلم والإنصاف؛ ذلك أن الحقائق لا تنغمر، ومن القوة والثقة أن نقول ما نعتقده حقًا ولو كان في النفس شيء تجاه أجزاء منه، فهذا خير من أن يقوله غيرنا. أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض @ahmalassaf