أوصى سماحة مفتي عام المملكة، رئيس هيئة كبار العلماء، رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، الناس بتقوى الله تعالى حق التقوى, مبيناً أن الله جعل دار العمل هي الدنيا، ودار البرزخ بعد الموت، ودار القرار، ورتب الأحكام على هذا. وقال سماحته في خطبة الجمعة التي ألقاها في جامع الإمام تركي بن عبدالله بالرياض، اليوم: "ففي دار القرار الحكم للروح والبدن، وعذاب القبر ونعيمه أمر دلت السنة والكتاب عليه وهو من الإيمان بالغيب، فقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ) هم يؤمنون بما غاب عنهم اتباعاً لسنة النبي – صلى الله عليه وسلم – فيؤمن بهذا اتباعاً لنهج السنة. وأضاف سماحته: أيها المسلمون، إذا نظرنا إلى كتاب الله وسنة محمد – صلى الله عليه وسلم – رأينا أن عذاب القبر قد دلت عليه السنة كذلك، وأجمع علماء المسلمين بأن عذاب القبر حق ونعيم القبر حق، قال الله تعالى: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)، فتأمل معي أخي قول الله: "النار يعرضون عليها غدواً وعشياً"، ثم قال يوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب، وقال تعالى: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ)، فمعناه أنه وقت الموت يشهد الإنسان بأن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله, وفي سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه ما صلى النبي صلاة إلا استعاذ منها من عذاب القبر, وكذلك ما ورد في السنة أن الناس يعذبون في قبورهم, وقال – صلى الله عليه وسلم – (إن عذاب القبر حق)، وقال أيضاً: (القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار). وأضاف: أيها المسلم، القبر أول ما تنزله بعد الدنيا قال تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إلى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ قالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ)، وقال – صلى الله عليه وسلم -: (ما رأيت منظراً قط إلا القبر أفظع منه). وأفاد أن لعذاب القبر أسباباً، ومن عذابه الساعي بالنميمة، ويعذب في قبره بذلك، قال – صلى الله عليه وسلم – (عامة عذاب القبر من البول)، وكذلك قوله: "مرّ النبي – صلى الله عليه وسلم – بقبرين، فقال: إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة، ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين، فغرز في كل قبر واحدة، فقالوا يا رسول الله، لم فعلت هذا؟ قال لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا" فانظر أخي المسلم إلى النميمة والعذاب السيئ الذي يجعل عذاب الله يطاله، ولذلك قال – صلى الله عليه وسلم – لا يدخل الجنة نمام، فالنمام يعذب في قبره على قدر نميمته. وبين سماحة مفتي عام المملكة أن من أسباب عذاب القبر الغلول، وأكل الأموال العامة, والتحايل على أهلها بأي حيلة كانت أو عقود باطلة وظاهرة تستغل بأخذ الأموال بغير حق فإن هذا من الغلول قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ), فالأموال العامة التعدي عليها بسرقتها أو التحايل عليها بمقاولات غير منفذة على التنفيذ المطلوب، وبعقود باطلة وظاهرة يتلاعب بها الناس حتى تنتهي إلى مقاول أضعفهم، وأقلهم إنتاجاً, فليتقوا ربهم ويعلموا أن الأموال العامة حرام التعدي عليها بغير حق، فإن هذا غلول يعذب به في قبره إلى قيام الساعة. وأفاد أن من أسباب عذاب القبر الكذب, مبيناً أن الكذب من كبائر الذنوب، ومن أخلاق المنافقين إذاعة الكذب والإشاعات والأراجيف, مؤكداً أنها من المصائب العظيمة, ومن ذلك بكاء أهل الميت بكاء سيئاً يقول رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – (إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ). وأوصى سماحته بأن نتقي الله في أنفسنا، والسعي بتجنب عذاب القبر، فإنه حقاً لا شك فيه, مبيناً أن القبر أول منازل الآخرة، ولنعمل له عملاً صالحاً, مؤكداً أن الأعمال الصالحة من فعل الواجبات وترك المحرمات قال – صلى الله عليه وسلم -: (إن الميت إذا وضع في قبره، إنه يسمع خفق نعالهم حين يولون مدبرين فإن كان مؤمناً كانت الصلاة عند رأسه وكان الصيام عن يمينه، وكانت الزكاة عن شماله، وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلاة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه فيؤتى من قبل رأسه فتقول الصلاة: ما قبلي مدخل ثم يؤتى عن يمينه فيقول الصيام: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى عن يساره فتقول الزكاة: ما قبلي مدخل ثم يؤتى من قبل رجليه فيقول فعل الخيرات من الصدقة والمعروف والإحسان: ما قبلي مدخل). وأشار سماحته إلى أن المسلم إذا أحاط نفسه بالأعمال الصالحة من صلاة وزكاة وصوم وأعمال خير خفف عنه عذاب القبر، فلنتقي الله في أنفسنا ونعمل الأعمال الصالحة. وقال سماحة مفتي عام المملكة: إن من أسباب النجاة من عذاب القبر أن نسأل الله العفو والعافية، والتعوذ من عذاب القبر. وتابع سماحته يقول: إن نبينا – صلى الله عليه وسلم – حذرنا من عذاب القبر، ونتقي الله في أنفسنا، ونسعى لطاعة ربنا، وأن نسأل الله الثبات على هذا الدين والاستقامة عليه، وأن يعيذنا من عذاب القبر وأهواله، وأن يؤمننا يوم العرض عليه إنه على كل شيء قدير. وأضاف سماحته: اعلموا يا عباد الله، أن أحسن الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد – صلى الله عليه وسلم – وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار, وصلوا وسلموا على نبيكم محمد – صلى الله عليه وسلم – كما أمركم بذلك ربكم, قال تعالى: (إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً).