يجد الكثير من الشباب وخصوصاً المهتمين بمجال الفكر نوعاً من الإحباط واليأس بسبب تجاهل النخبة لهم، وهو وضع لاشك أنه في غاية الألم! إلا أن هناك أمراً لو أدركه ذلك الشاب المبتدئ في مسيرة الفكر، سَيُخفِّف عنه ذلك الألم ويكون كالبلسم للجرح، وهو أنه عند النظر إلى طبيعة الإنسان وحقيقته وقصوره ونقصه، فإننا ملزمين في أن نعذرهم في تجاهلهم، فهذا المفكر إنسان يحمل مشاعر مختلفة تجمع بين الضدين من كره وحقد وحسد وكبرياء وحب وتسامح وطيبة وتواضع، فهو إنسان بتلك المشاعر قبل أن يكون عقلاً مفكراً. وأن نستحضر في أذهاننا أن هذا المفكر قد عانى فيما مضى من التهميش والتجاهل من مفكري عصره، فلا بد أن يمارس نفس الدور كنوع من الانتقام وتعويض عقدة النقص التي تلازمت معه بسبب تجاهل أسماء الكبار له. أيها الشاب الطموح؛ لا تنظر إلى الكبار والمشاهير من النخبة على أنهم قد وصلوا بطريقة ذكية أو ميسرة أو بواسطة، الأسماء اللامعة التي تمثل رموز الفكر في أي مجتمع كانوا في يوم من الأيام مغمورين ولا أحد يعرف عنهم أي شيء، بل إن معظم كبار الفلاسفة لم يُعرَفوا ولم يشتهروا إلا في أواخر حياتهم! رغم أنهم كانوا يعملون ويكتبون ويحاضرون ويقدمون أعمالاً قيِّمة في شبابهم وبداية حياتهم. وسواءً كانوا يستحقون تلك الشهرة أم لا؛ فهذا لا يهم وليس هو موضوعنا. أيها الشاب الطموح؛ اعلم أن المجتمعات العربية في حُكمها على الأصلح والأكثر قيمة تميل إلى الأقدم في كل شيء، سواءً كان هذا الأقدم سياسياً أو مفكراً أو رجل دين…إلخ، فالشعوب العربية العاطفة تُسيِّرها لا العقل، شعوب محكومة بعواطفها، فحتى لو كان هذا المفكر المعاصر أعظم قيمة وأغزر إنتاجاً لن يشفع له ذلك! فلو برز رجل دين مجدد وعالم في مجاله، سيقولون عنه ويصفونه على الفور بأنه “رويبضة”، لا لشيءٍ سوى أنه قد اختلف عن آراء العلماء السابقين كابن تيمية وابن القيم رحمهما الله، سيقولون: من أنت لتضع من نفسك نِدَّاً لهؤلاء الأعلام!؟ أيها الشاب الطموح؛ ثق تماماً أنه عندما تسلك طريق التنوير، فإن الحرب لن تأتيك من أي طرف آخر”التيار الديني مثلاً”، بل ستأتيك من النخبة الثقافية لأنها سترى فيك تهديداً لأسمائهم، ورغم ذلك لا تبالِ بهم، وركز على نفسك وقم بتنمية قدراتك وتوسيع مداركك وواصل الطريق ولا تنظر إلا للقمة، وحتماً ستصل، ولكن عندما تصل فاحذر أن تمارس ذات السلوك الذي مارسوه معك، نعم؛ أنت قد تألَّمت، لكنك تعلَّمت، فكن أرقى منهم وتسامى، كن متواضعاً واحذر أشد الحذر من الكبرياء، فلا أحقر من مفكر لم ينتفع بفكره ولم يأخذه ذلك الفكر إلى المعاني الرفيعة. أيها الشاب الطموح؛ هناك أمر يجب أن تستحضره كذلك في ذهنك لكي يدفعك للأمام ويعطيك الحماس والقوة، وهو أن تعلم أن هؤلاء المفكرين خصوصاً الكبار في السن منهم سيذهبون ويرحلون في يوم من الأيام، فهل أعددت نفسك لتحلَّ محلهم وتأخذ مكانهم وتبدع دون أن تقلِّد؟ هذا هو السؤال الذي لا بد أن تقف أمامه مراراً وتكراراً.