زرت مطلع الأسبوع الحالي مدرسة أهلية، وقابلت أحد مديريها، الذي بالرغم من أنه في جهة ربحية، وأحد المسؤولين عن استقطاب الطلاب المستجدين فيها، إلا أنه كان حاداً في التعامل، لا يألفه من يقابله بسهولة… لاحظت ذلك خلال دقائق من وجودي في مكتبه مع عدد من المراجعين. فتبادر إلى ذهني عندما شاهدت الموقف بأن هذا أسلوب طبيعي لبعض البشر، فالناس طبائع مختلفة، وربما يكون متضايقاً لأمر لا نعلمه، ونحن نريد أن يكون مثالياً دائماً وهذا مطلب محال. وفي نهاية الأمر نحن بشر يمر بنا هذا الحال في بعض الأوقات، لكن سرعان ما نستعيد توازننا. إلا أني مصدر عجبي ليس من هذا التعامل في حد ذاته؛ بل عندما ورده اتصال – فيما يبدو لي – من أحد زملائه في المدرسة، فسرعان ما خرج من الشخصية الحديّة، وتحول في غضون ثواني لشخص لطيف، تسمع منه عبارات في منتهى الرقي والاحترام، وصوت الضحكات التي لا زالت تبدو عليه حتى ختم مكالمته تلك بأطيب الدعوات للمتصل. وما لبث أن عاد ليرتدي قميصه السابق فور الانتهاء من المكالمة! فتمنيت حينها لو نال أحد مراجعيه من هذا الخلق الجميل. ثم واصلت حديثي بعد أن فرغ من المكالمة، وحاولت تلطيف الأجواء لأظهر الابتسامة على محياه، إلا أني لم أصب الهدف، فلست من عملاء التميز ! ولعلي أتساءل … هل ينجح بهذه الطريقة في كسب المزيد من العملاء الجدد للمؤسسة التي يعمل بها ؟ لا أعتقد ذلك … إلا إن كانت هذه الطريقة من آخر صيحات الموضة التي لم تعد تتوقف على اللباس والمظهر ولكنها قد تطالعنا في المستقبل بمثل ذلك. أنا هنا لست بصدد انتقاد تصرف هذا الشخص، لكن هذا الموقف العابر جعلني أتساءل: لماذا يصدر منا هذا التصرف في بعض الأحيان؟ ولماذا نجيد فن التجهم في وجوه المراجعين أو الناس الذين نقابلهم ثم نتبسط ونتفكه مع زملائنا والمقربين منا في نفس الوقت؟ نحن لسنا في جهة قانونية أو أمنية، وطبيعة العمل تحتم علينا أن نظهر بهذه الطريقة المنفرة. أليس المراجع والعميل أولى بهذه الملاطفة من غيره؟ فهو لم يأتِ لانتزاع شيء ليس له، ولم يتسبب في حنق رئيسك عليك، وليس له علاقة بمن ضايقك في الطريق أو تسبب لك في الزحام، بل قد يكون هو الآخر نال من ذلك الزحام ما نال. الناس لا يريدون أن يشاركوك أنسك أو قهوتك أو حتى مالك؛ بقدر ما يريدون مقابلتهم بوجه طليق، وكلام لين، وقول هين، والتبسط معهم في الحديث، وشفتان لا تتورع عن إظهار الحسن المختبئ خلفها. وكما يقول المثل ” لاقيني ولا تغديني” وفي رواية أخرى “ولا تعشيني” . على أية حال كان غداء أم عشاء، قابل الناس كما تحب أن يقابلوك. وبما أني لا زلت أقول وسأظل أقول بأننا نُجيد ملاحظه سلوك غيرنا في الوقت الذي يغيب عنا الكثير من تصرفاتنا، فما أجمل أن نستثمر هذا الفضول في تعديل سلوكياتنا الخاطئة. بقي القول يا ساده … يقول النبي – صلى الله عليه وسلم – ( إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق ) رواه مسلم، ويقول ( لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق ) رواه الحاكم والبيهقي، ويقول جرير بن عبدالله رضي الله عنه : ( ما حجبني النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا رآني إلا تبسم في وجهي ) رواه البخاري يسرني جميل تواصلكم @m2025a