لم نكن في مجتمعنا أحوج إلى التربية من زماننا هذا، حيث فتحت شبكات الاتصال، والتواصل الاجتماعي على الناس – صغاراً وكباراً – أبواباً من الفتن والشبهات والشهوات، وأشكالاً من الانحرافات لم يسبق جودها، وخرجت الكثير من الفرق والمذاهب والأفكار الهدامة والضالة من سراديبها، ونوَّعت من وسائلها، وغيَّرت في طرائقها، وأصبحت تضيف على محتواها السيئ كثيراً من التزيين والتحسين والتلطيف حتى يكون مقبولاً على نطاق واسع. وباتت تحاول إظهار حال الواقعين في تلك الفتن ومقارفيها وكأنهم على خير حال، فيجمِّلون صنيعهم، ويقتطعون جزءاً جميلاً يسيراً من حياتهم فيضخمونه، ويوهمون الناس بأن كل حياتهم كذلك، متجاهلين بقية الأجزاء السيئة والمشينة من حياتهم، التي يمضونها مشوبة بالقلق، مغلفة بالكآبة، ممتزجة بالصراع النفسي، لمخالفتهم للفطرة التي فطر الله الناس عليها. ومع هذا المكر الكبَّار في الليل والنهار، الذي يعمل فيه دهاقنة الإفساد وأربابه من كل مذهب ونحلة، تصبح مواجهة هذا الطوفان الجارف “واجب العصر”، و”فرض العين” على كل واحد منا، ليحافظ على من يعول، وليجيب عن السؤال! ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى الولي “مسؤولاً” أي أنه سوف يُسأل عمن يعول، ويحاسب على ذلك كما في الحديث المتفق عليه، قال صلى الله عليه وسلم: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا… وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ). ولا ينفع الأولياء حينها الاعتذار بظروف العصر، ولا بإلقاء التهمة على المجتمع أو الإنترنت أو الشيطان ذاته، فالمعاذير هذه غير كافية عند من لا تخفى عليه خافية، ولن يكون الجواب مقبولاً إلا حين يبذل المرء كل وسعه في الحماية والوقاية، ويؤدي كل جهده في السعي لتحصين ذريته، وتعليمهم، وتحذيرهم، وتربيتهم، فإذا بذل كل وسعه، فقد أدى ما عليه، ف)لا يكلف الله نفساً إلا وسعها). ويصدق في ذلك قول أحمد شوقي: وما نيل المطالب بالتمني * ولكن تؤخذ الدنيا غلابا وما استعصى على قوم منال * إذا الإقدام كان لهم ركابا فأروا الله من أنفسكم خيراً، واتخذوا قراركم الشخصي في أسرتكم الصغيرة، بإعلان حالة الاستنفار لأجل الحماية، والعمل الجاد المنظَّم المستمر والهادئ من أجل تحقيق التربية الحقَّة، والحفاظ على الهوية، وتعزيز الانتماء لهذا الدين العظيم في نفوسهم. وإذا كان قارئ القرآن وهو عليه شاقّ له أجران، أجر التلاوة وأجر المشقة، والمُسبِغُ للوضوء في البرد الشديد له أجران، أجر الإسباغ، وأجر تحمل المكاره والأذى؛ فإن للمربّي في أوقات الفتن أجر التربية وأجر الأذى المترتب على صعوبة الأمر، فلا تحزن كثيراً لكثرة مسببات الزيغ، فذلك أعظم للأجر، وأكثر دافعية للجد والاستمرار. ومن أراد “العُلا” عفواً بلا تعبِ * قضى ولم يقضِ من إدراكها وطرا وإنني واثق تماماً من أن عاقبة هذا الاهتمام والحرص على من تحت أيديكم ستكون خيراً عظيماً، وأجراً كبيراً، وعلى قدر المشقة يكون الجزاء في الدنيا صلاحاً للذرية وقرَّة للعيون بهم، وفي الآخرة نوراً وحبوراً وسروراً. أصلح الله لنا ولكم ذرياتنا، وجعلنا وإياهم مباركين. دام توفيقكم محمد بن سعد العوشن إعلامي مهتم بتطوير الذات والعمل الخيري @bin_oshan