وكيف يكون النسيان بعد الشنق؟ تكرر هذا السؤال بعد مقالي السابق (على مشنقة الحياة). اللطيف سبحانه لا يكلف نفساً إلا وسعها، والرحمن الرحيم لا يُحمل عبداً ما لا يطيق، فإذا تقرر هذا.. فمن ظلم النفس خياطة جراحها دون تنظيف أو تعقيم كمن يكبت مشاعرها، أو يقاومها بالهروب، أو التظاهر خلاف الحقيقة فالألم سيستمر وقد ينزف الجرح في أي لحظة. وأحسب أن ثَمة طرائق قِدداً لتطبيب جراح النفس حتى تُشفى بلا ندوب منها: 1. تحطيم وهم المثالية بمعول تقبل فكرة الإخفاق والفشل، فمن ينشد الكمال سيُصاب بإحباط قد يشله عن الحركة. 2. السماح للمشاعر بالعبور من بوابتها للتفريغ بأي سلوك عملي يُريح النفس سواء بالبكاء، أو الصلاة، أو الفضفضة الكتابية، أو الكلامية، أو الرياضة… كل بما يجد راحته.. المهم أن يفرغ ولا يكبت أو يقاوم فإذا أُخرست النفس نطق الجسد بالأمراض. 3. التفكر بمجريات أحداث ذاك الهدف سيئها وحسنها دون لوم أو تأنيب بعيداً عن (ماذا لو) لو أني فعلت كذا لكان.. بل قدر الله وما شاء فعل.. ثم تسليط الضوء على أسوأ ما كان والتفكر فيه من زاوية (ألم تر كيف فعل ربك) ثم انسج خيالاً بعدها مؤلماً متوقعاً حدوثه.. ثم قل لنفسك المتعلقة بذاك الهدف رأيتِ كيف فعل ربك بك؟ أنقذك من كل هذا الألم المتوقع حدوثه وأنتِ لا تطيقينه، فتتحول الخسائر لأرباح، وتنقلب البلايا عطايا، ويلهج اللسان بالحمد والثناء للحافظ الذي حفظه وحماه، ومن منافعها أيضاً تجريد البشر من الفعل والإيذاء ليبقى القلب سليماً اتجاههم حتى وإن كانوا سبباً في عرقلة الهدف، فالأمر لله من قبل ومن بعد.. وثق تماماً أن ما تشعر به في داخلك ليس بسبب ضياع هدفك أو ما يحدث حولك من عرقلة الأمور.. ولكن بسبب رؤيتك وتحليلك.. غيّر طريقة تحليلك ورؤيتك! ستتغير مشاعرك وانفعالاتك. 4. تعداد النعم التي تحيطه، ولو تفكر في نعم نفسه ك (سريان الدم في عروقه بلا أجهزة، نبضات قلبه المتوازنة من غير بطارية، إخراجه للفضلات دون غسيل كلوي، و……..) لكفاه بها فرحاً وأنساً فكيف والنعم تطوقه من كل جانب؛ فإن صرف الله عنه هدفاً واحداً فقد أبقى له نعماً يَعُدها ولا يُحصيها. 5. لا نستطيع منع الأفكار السلبية من المرور بالخاطر لكنا نستطيع تحطيمها ووأدها في مقبرة النسيان، حتى لا تتجرأ فكرة سوداوية أخرى بالمجازفة والعبور.. صحيح أن الفرح يغفو فجأة لكنه يعود بنشاط بعد تلك الغفوة فانتظر عودته.. فلا مجال إلا للفأل وحسن الظن بعطايا الكريم الوهاب.. من ربانا بنعمه، من عوّدنا الإحسان، من كفّ عنا البلايا وأسبغ بمنته علينا العطايا، من لَطُفَ بنا فيما مضى وعلى أمم ممن معنا، من بسط لنا جوده وفضله، من أسدل علينا ستره، من أغدق علينا هباته، من أعطانا سؤلنا وزاد في مكرماته. 6. بترك كل ما له صلة بذاك الهدف ليسهل نسيانه، فبقاء ولو شيء بسيط منه سيجدد ذكره وألمه. 7. تذكر أنك عبدٌ للعزيز فأعز نفسك وأكرمها من الانتقام والتشفي من ذاك الهدف الذي صرفت له نفائس عمرك ولم تستطع تحقيقه، فاغفر وسامح ولا تحمل في قلبك غلاً ولا حقداً عليه، وتَرفع عنه بالتجاهل وادفنه بمقبرة النسيان وقل له مودعاً: لا أحب الآفلين. 8. انهض من ماضيك وانفض غباره عنك، ولا تفكر بالخسائر التي تكبدتها فهي دروس لك وعبرة تستفيد منها في قادمك، واشغل وقتك بما يعود عليك بالنفع العاجل والآجل، فلم تُخلق لتحقيق ذاك الهدف الميت فقط، فالأهداف الأسمى والأرقى تنتظرك. 9. كلما حاولت عجلة الزمن أن تعيدك للوراء ادفعها للأمام، ولا تحبس نفسك في زنزانة الماضي فأنت ابن يومك، فكل يوم تعيشه هو نعمة من الله لا تضيعه بالقلق من المستقبل أو التحسر على ما فات.. لأنك ستقف بين يدي خالقك ليسألك عن عمرك فيما أفنيته؟ فأعد للسؤال جواباً تفخر به. 10. اقرأ سير الناجحين والمتفائلين، وانظر كيف يسارعون بالنهوض بعد كل سقوط والابتسامة تعلو محياهم، ورؤوسهم مرفوعة للأعلى تترقب عطايا الوهاب بكل شوق وتوق.. ولك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة بعد خسارته في غزوة أحد، رغم القرح والجراح التي تسيل إلا أنهم نهضوا لحمراء الأسد بعزة وأنفة وشموخ الواثقين بنصر ربهم. تلك عشرة كاملة لنسيان هدفك الميت فلا تجهر بحزنك ولا تخافت به وابتغ بين ذلك سبيلاً، وقل الحمد لله الذي نجاك وحماك، ولطف بك وترقب شروق هدف أجمل وأفضل يليق بك ويناسبك.