أدى إمام وخطيب المسجد الحرام معالي الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد خطبة الجمعة استهلها بقوله: أيها المسلمون: حجاج بيت الله الحرام: ها أنتم فرغتم من أعمال حجكم، وأديتم مناسككم، تقبل الله منا ومنكم، وجعل حجكم مقبولاً، وذنبكم مغفوراً، وسعيكم مشكوراً، وأعادكم إلى بلادكم وأهليكم سالمين غانمين، وفي رعاية الله محفوظين، وأصلح بالكم، وأحسن منقلبكم ومثواكم. وأردف معاليه: أعمال القلوب: هي الأصل وهي الغاية، وأعمال الجوارح تابعة لها، أعمال القلوب من أعظم أصول الإيمان، وقواعده العظام من: محبة لله، ومحبة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وإخلاص الدين لله، والتوكل عليه، والصبر على حكمه، والخوف منه، والرجاء فيما عنده. وقد قال عليه الصلاة والسلام: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا و"هي القلب ". واستطرد بن حميد أيها الحجاج الكرام: إذا كان ذلك كذلك فإن أهم أعمال القلوب ولبَّها ومدارَها على الإخلاص، وقد كان من تلبية نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم: "اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة" رواه ابن ماجه. والإخلاص مأخوذ من الخلوص؛ وهو الصفاء، ومأخوذ من التخلص؛ وهو التصفية والتنقية، وحقيقة الإخلاص أن يكون سُكون العبد وحركاته لله تعالى خاصة، خالصة، مخلصة. وبين معاليه بأن من علامات الإخلاص: السر والكتمان فلا يحب المخلص أن يطلع الناس على مثاقيل الذر من عمله، كما أنه لا يبالي لو خرج كل قدر له من قلوب الناس، معاشر المسلمين: والإخلاص – حفظكم الله – سبب لعظيم الجزاء والثواب حتى مع قلة العمل وصغره، فكل خير فيه العبد فهو من فضل الله، ومنّته، وإحسانه، ونعمته؛ وهو سبحانه المحمود عليه، وبهذا يعرف العبد مقام ربه، ويعرف ضعف نفسه. ومن معينات الإخلاص – رعاكم الله -: تحقيق التوحيد، وصدق التعلق بالله، وحسن عبادته، والإكثار من عبادات السَّحر من قيام الليل، والأوراد، وصدقات السر، والعبادة في الخلوات، والإلحاح بالدعاء، والمجاهدة في ذلك ومصاحبة الأخيار الصالحين الناصحين المخلصين. واختتم بن حميد خطبته الثانية قائلاً: ومع عظم الإخلاص، وأهميته، وشدته ودقته، إلا أن الله بفضله ورحمته، ولطفه وتيسيره على عباده، قد شرع من الأعمال ما هو ظاهر ومعلن أمام الملأ من صلاة الجماعة، وأعمال الحج كلها، والصدقات المعلنة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتناصح، فإظهار هذا وأمثاله لا يتعارض مع الإخلاص، ولا يشوش عليه، فالإخلاص محله القلب؛ وهو سر بين العبد وبين ربه. بل إن مدح الناس وحمدهم لعمل العبد لا يشوش على الإخلاص، فقد قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده عليه الناس؟ قال: "ذلك عاجل بشرى المؤمن" متفق عليه. وأكّد معاليه على أنه لا ينبغي للعبد أن يترك الطاعة خوفاً من الرياء، وعدم الإخلاص، فهذا من مداخل الشيطان ومكائده، ولهذا قال الإمام النخعي: "إذا أتاك الشيطان وأنت في الصلاة، وقال: إنك مُراءٍ فزدها طولاً ".