بقلقٍ، تترقب الفلسطينية إيمان الحوراني، الهاربة منذ أكثر من عامين مع عائلتها من جرائم قوات النظام السوري إلى قطاع غزة، انتهاء شهر ديسمبر الجاري؛ لتدرك حجم "الكارثة" التي سيخلّفها انتهاء عقدي العمل "المؤقت"، و"إيجار" المنزل، اللذين خصّصتهما حكومة غزة السابقة لزوجها، إذ بالكاد كانا يوفران الحياة الكريمة لأسرتها. فبعد بضعة أيام، قد يكون انتهاء عقد الإيجار المؤقت والمخصص لزوج النازحة إيمان، الحامل بتوأم، كفيل بإخراج عائلتها من المنزل الصغير، الذي يضمّ بين جدرانه 5 أفراد، إلى الشارع، كما قالت لوكالة الأناضول. وتوضح إيمان أنه: "بالنسبة لعقد العمل المؤقت، فزوجي يعمل منذ أكثر من 12 شهراً كحارسٍ لمستشفى حكومي، لكن منذ 5 أشهر لم يعد يُصرف له راتب، دون إبداء أي سبب لذلك من وزارة الشؤون الاجتماعية ولا وزارة العمل.. وصارت العائلة تعتمد على المساعدات الإنسانية التي تقدمها بعض المؤسسات، أو أهل الخير". وتصف حال عائلتها بعد أن انتقلت منذ أكثر من عامين إلى غزة، حيث يعيش نحو 1.9 مليون نسمة، ك "من ينتقل من وضع سياسيّ، واقتصادي، واجتماعي سيئ، إلى الوضع ذاته، ولكن على طريقة تبدو أسوأ بكثير". ولم يتبقّ إلا ثلاثة أشهر لتُرزق إيمان بمولودين جديدين "توأم"، ليرتفع عدد أفراد أسرتها من 5 إلى 7 أفراد". وتمضي قائلة: "ذقنا المر في غزة، وعايشنا حربين إسرائيليتين (عامي 2012 و2014)، وفي الحرب الأخيرة استشهد أخي (عبدالله شباب)؛ جراء استهداف الطائرات الإسرائيلية له (…) هربنا من موت إلى موت، ومن وجع إلى أكبر، وتهدم منزل عائلتي بشكل كامل". وتتهم "إيمان" كلاً من وزارة الشؤون الاجتماعية، ووكالة الأممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) ب"التقصير في تقديم المساعدات للعائلات القادمة من سوريا". ويفرض الكيان الصهيوني حصاراً برياً وبحرياً على غزة، منذ أن فازت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، التي تعتبرها "منظمة إرهابية"، بالانتخابات التشريعية الفلسطينية في يناير 2006، وشددت هذا الحصار؛ إثر سيطرة الحركة على القطاع في يونيو من العام التالي، واستمرت في هذا الحصار رغم تخلي "حماس" عن حكم غزة، وتشكيل حكومة توافق وطني فلسطينية أدت اليمين الدستورية في الثاني من يونيو الماضي. ولم تتسلم حكومة الوفاق الوطني مهامها في غزة؛ بسبب الخلافات السياسية بين حركتي: "حماس"، والتحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، بزعامة الرئيس محمود عباس. الشاب الفلسطيني عبدالله البلتاجي (30 عاماً)، هارب هو الآخر من الصراع في سوريا إلى غزة، مع عائلته المكونة من 5 أفراد، منذ أكثر من عامٍ، وتحول من مهندسٍ مدنيّ، كان يعيش حياةً كريمة في بلده، إلى عامل في مجالات لا تحتاج إلى شهادته العلمية. ويقول "البلتاجي" في حديث مع الأناضول: "خرجت وعائلتي من سوريا إلى غزة؛ خوفاً على حياة أطفالي من الأعمال العسكرية هناك، فتوجهت دون أي تردد إلى القطاع، بعد أن سمعت أن هناك حياة كريمة للفلسطينيين العائدين من سوريا". ثم يستدرك قائلاً: "لكن الوضع بات مختلفاً، فقد تحولت من مهندس مدني يحمل درجة الماجستير، إلى عامل يبحث بشكل يومي عن عمل في مجال البناء ونقل الطوب، حتّى أن شهادتي الجامعية سببت لي في الكثير من الأحيان عائقاً يحول بين العمل الذي كنت أصبو إليه رغم بساطته، إذ يرفض أرباب العمل توظيف عمال يفوقونهم في الشهادات العلمية". لم تتوقف مأساة "البلتاجي" عند هذا الحد، إذ فقد منزله خلال الحرب التي شنّتها إسرائيل على غزة في السابع من يوليو الماضي، واستمرت 51 يوماً، إلا أن من وصفهم ب"أهل الخير" وهبوا له "شقة سكنية" صغيرة تؤويه هو وعائلته. ويتابع: "حتّى اللحظة لم أحصل على أي تعويض بعد استهداف منزلي وتدميره بشكل كامل خلال الحرب، كما أن جميع المستلزمات المنزلية التي اشتريتها، أو قدمها لي أشخاص متواجدون في غزة ذهبت تحت الركام". ويضيف: "أصبت في قدمي خلال الحرب بشظايا صواريخ أطلقتها طائرات إسرائيلية؛ ما يمنعه من ممارسة الأعمال التي تتطلب مجهوداً بدنياً كبيراً.. كان من المفروض أن أتلقى علاجاً طبيعياً لقدمي حتّى تتعافى، وهو علاج يقدّم مجاناً لنا، إلا أنني لا أملك أجرة المواصلات من المنزل إلى المستوصف". ويعرب "البلتاجي" عن قلقه إزاء تدهور الأوضاع الاقتصادية في غزة، خاصة وأنه لم يتلق راتبه منذ 5 أشهر كبقية أصحاب عقود العمل "المؤقتة"، دون معرفة أسباب ذلك الانقطاع، مشيراً إلى أن توقف تلك العقود "سيزيد من معاناة الفلسطينيين السوريين بغزة". وبحسب وزارة الشؤون الاجتماعية في غزة، فإن عدد الأسرة الفلسطينية القادمة من سوريا إلى القطاع بين فبراير 2011 وأكتوبر 2014، والمسجلة لدى الوزارة، بلغ 228 أسرة تتألف من 884 فرداً. ووفقاً لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، فإن عدد العائدين من سوريا، والمسجلين لديها، وصل إلى نحو 1000 شخص. ومنذ مارس 2011، أودى القتال بين قوات نظام بشار الأسد وقوات المعارضة في سوريا بحياة أكثر من 200 ألف شخص، وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان (غير حكومي)، إضافة إلى دمار مادي واسع. ويقول رئيس لجنة متابعة شؤون اللاجئين الفلسطينيين من سوريا إلى غزة، عاطف العمّاوي، لوكالة الأناضول، إن: "الوضع الاقتصادي للاجئين الفلسطينيين القادمين من سوريا متردٍ للغاية، إذ تعاني تلك العائلات منذ أكثر من 5 أشهر من انقطاع رواتبهم التي كانت تصرفها لهم وزارة العمل ضمن بند (العمل المؤقت) البطالة". وتهدد تصريحات مسؤولي وزارة العمل الفلسطينية عن وقف عقود العمل (البطالة) التي قدّمت للفلسطينيين القادمين من سوريا منذ أكثر من 12 شهراً، نهاية العام الجاري، حياة هؤلاء اللاجئين، إذ يعتبر ذلك العمل مصدر الدخل الوحيد لتلك العائلات. ويضيف "العمّاوي": "منذ أكثر من ثلاثة شهور، انقطعت المساعدات التي تقدمها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين عنا، كما أن المساعدات النقدية المفروض أن تصل إلى المتضررين من الحرب كبدل للإيجار مؤجلة تحت بند (ضمن ملف السوريين)؛ أي أنهم ينتظرون أموالَ بدل الإيجار أن تصل من فرع "وكالة أونروا" في سوريا حتى يتم دفعها لنا". ومما يفاقم من معاناة العائلات الفلسطينية العائدة من سوريا، هو تضرر نحو 60 عائلة خلال حرب ال51 يوماً، كما أن 12 عائلة فقدت منازلها بشكل كلّي، بحسب "العمّاوي". ويمضي قائلاً إن: "العائلات السورية التي فقدت منازلها بشكل كامل تعيش الآن داخل مراكز إيواء تابعة لأونروا، أو في منازل متنقلة (كرافات).. أما العائلات التي تضررت منازلها بشكل جزئي، فتعيش فيها حتّى اللحظة، دون إصلاحها ولا ترميمها". ويدعو "العماوي" السلطة الفلسطينية إلى "تجديد جوازات السفر الخاصة بالفلسطينيين القادمين من سوريا؛ ليتاح لهم التنقل من غزة إلى الخارج للعلاج". ومعلقاً على الاتهامات لحكومته بالتقصير بحق تلك العائلات، يقول وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية الفلسطينية بغزة، يوسف إبراهيم، إن: "الوزارة خصصت أكثر من ثمانية برامج اقتصادية واجتماعية للفلسطينيين القادمين من سوريا". ويتابع "إبراهيم" بقوله لوكالة الأناضول: "من تلك البرامج برنامج الإغاثة العاجلة الذي يقدم مساعدات للعائدين فور وصولهم لغزة، وبرنامج الأثاث المنزلي، وبرنامج المنح الدراسية الجامعية، والذي استفاد منه نحو 50 عائلة، وبرنامج التمكين الاقتصادي الداعم للمشاريع الاقتصادية الصغيرة، والبرنامج الوطني للحماية الاجتماعية، وآخر للدعم النفسي والاجتماعي للأطفال". ويضيف أن: "الوزارة قدّمت للعائلات العائدة من سوريا برامج للإيجار والتشغيل المؤقت، ومن المقرر أن تنتهي مدة تلك العقود نهاية العام الجاري.. برنامج الإيجار المؤقت الذي يتم من خلاله توفير بدل إيجار للعائلات، يتم بالتعاون مع "أونروا"، حيث تقدم "الوزارة" بدل الإيجار لحوالي 31 عائلة سورية، و"أونروا" تدفع إيجارات ل166عائلة". كما "وفرت "الوزارة" فرص عمل مؤقتة لحوالي 143 شخصاً جاؤوا من سوريا.. وعدم تسلمهم لرواتبهم منذ أكثر من 5 أشهر هي مسألة متعلقة بوزارة العمل، وحكومة التوافق الفلسطينية، وفقاً لوكيل وزارة الشؤون الاجتماعية الفلسطينية. ويقدر "إبراهيم" إجمالي المساعدات التي قدّمتها "الوزارة" منذ بدء وصول العائلات من سوريا إلى غزة ب "مليون دولار أمريكي". وينظر المسؤول الفلسطيني بقلق إلى أوضاع العائلات القادمة من سوريا عند انتهاء عقود "العمل المؤقت" وبدل الإيجار، بنهاية العام الجاري، محذراً من "تفاقم معاناتهم". ويتابع: "نهاية نوفمبر الماضي، أرسلنا مذكرة إلى وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة التوافق، شوقي العيسة، بخصوص معاناة الفلسطينيين العائدين من سوريا، وتداعيات توقف العقود والبرامج الخاصة بهم، إلا أنهم (العائدون) حتّى اللحظة لم يحصلوا على رد من الوزارة". فيما يقول المتحدث باسم وكالة الأممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، عدنان أبو حسنة، إن: "أونروا تنتظم في دفع بدل الإيجارات للفلسطينيين القادمين من سوريا". ويوضح "أبو حسنة" في تصريحات للأناضول، أن: "أونروا ستعمل على تحسين برنامج بدل الإيجار المقدّم لتلك العائلات.. الوكالة كانت تدفع في السابق نحو 125 دولاراً أمريكياً لكل عائلة، لكنّها ضمن البرنامج المحدّث ستدفع مبالغ لا تقلّ عن 200 دولار أمريكي للعائلة الواحدة". ويختم بأن: "أونروا تقدم مساعداتها الغذائية للمواطنين القادمين من سوريا كسائر المواطنين المسجلين لديها في غزة".