يحكى أن رجلاً فقيراً حانت وفاته، ولم يكن لديه ما يتركه لأولاده، فاستدعى محامي القرية وأملى عليه وصيته، حيث قام بتوزيع أشهر المزارع، والمصانع، والمشاريع المعروفة في البلد على أبنائه واحداً واحداً، وأمر المحامي أن يكتب ذلك.. وعندما سأله ابنه الأكبر هل هذا حقاً؟ أجاب الوالد: يا بني إنها ليست لي! ولكني أردت إسعادكم قبل أن أموت! ولو بالكذب! حيث إنني لم أستطع أن أسعدكم طول حياتي.. هذا ما ينطبق على بعض الجرائد والكتاب الذين يعدون الناس ليل نهار باقتسام عقارات البلد قريباً.. بل وصل الأمر أن نشرت "صحيفة الاقتصادية" خبراً منسوب إلى "واس" مرده إلى نزول العقار في مكة بنسبة أكثر من70٪ دفعة واحدة، فقد اختارت "الصحيفة" أغلى منطقة في العالم، وواحدة من أكثر مناطق العالم نمواً وتطوراً في الآونة الأخيرة، فهل هي تغري بذلك الفقراء الذين لا يستطيعون ضرباً في الأرض أم التجار الذين يعرفون البلاطة وما تحتها؟! إن ربط أزمة السكن لذوي الدخل المحدود بالعقارات التجارية والاستثمارية المدرة للدخل هو خلط يدل على جهل خطير في فقه الأزمة الحالية، كما أنه يدل على بعد القائمين على التنظير العقاري في وسائل الإعلام عن أبسط مبادئ المعرفة العقارية.. فكلام الشخص الذي لم يمارس العقار، ولم يكتسب مهارته كحديث الحلاق عن علم الجينات الوراثية.. فقضية هبوط العقار أو ارتفاعه ليست قضيتي ولا قضية الكثيرين في رأيي! إنما قضيتنا مع من يتكلم عن شيء لا يفقه فيه شيئاً.. بل ويعدون الناس بنسب محددة مسبقاً، فيقولون مثلاً: إن العقار سيهبط في عام كذا وكذا بنسبة كذا وكذا!! يا سيدي، العقار أكثر من عشرة أنواع منها: الصناعي، والزراعي، والتجاري، ولا يمثل العقار السكني صاحب القضية إلا 20٪ في أحسن حالته، فلماذا التعميم ومعاداة الجميع؟! إن الخلط بين أنواع العقارات وبين عدد الصفقات ومتوسط سعر المتر لا يفعله من لديه أقل مستوى من المعرفة المالية والعقارية.. وهذا ما يفعله قليل الحيلة، ومن لم يكلف نفسه بتعلم العقار قبل أن يتجرأ بالحديث عنه.. وعود على بدء وقصة الرجل العجوز، فإني لا أستبعد أن يوصي أحدهم أبناءه عند وفاته بالكتابة بعده في الصحف عن قرب هبوط العقار، وتوزيع مقالاته بين الجرائد لعل وعسى.