ذكر فضيلة الشيخ الدكتور صلاح بن محمد البدير، إمام وخطيب المسجد النَبَوِيّ في خطبة الْجُمُعَة اليوم، أنه لا خلود في الدنيا يرجى ولا بقاء يؤمّل، وما الناس إلا راحلٌ وابن راحل، وما الدهر إلا مر يوم وليلة، وما الموت إلا نازلٌ وقريب، وما نفسٌ إلا يُباعد مولداً، ويدني المنايا للنفوس فتخرجُ. وقال فضيلته: ويا للمنايا مَا لها من إقالةٍ إذا بلغت من مدة الحي حده ستسلمك الساعات في بعض أمرها إلى ساعة لا ساعة لك بعدها ما أسرع الأيام في طيّنا تمضي علينا ثم تمضي بنا، في كل يوم أملٌ قد نأى، مرامه عن أجل قد دنا. أين مَا كان قبلنا أين أينا من أناس كَانُوا جمالاً وزينا إن دهراً أتى عليهم فأفنى عَدَداً منهم سوف يَأْتِي علينا كم رأينا من ميت كان حياً ووشيكاً يرى بنا مَا رأينا ما لنا نأمن المنايا كأنا لا نراهن يهتدين إلينا يا غافل يا ذاهل أنسيت أننا بشر يلفنا قدر ونحن في سفر، نمضي إلى حفر. الموت يشملنا والحشرُ يجمعنا، فحتى متى لا ترعوي وتَنْتَهِي، حتامَ سمعك لا يعي لمذكر، وصميم قلبك لا يلين لعاذل. ألم يأن أن تخشع وأين التهجد؟ أفي سنةٍ كنا أم القلب جلمدُ؟ تيقظ أخي واحذر وإياك ترقد، أترقد يا مغرور والنار توقد فلا حرها يُطفأ ولا الجمر يخلد. كان النبي ولم يخلد لأمته لو خلد الله خلقاً قبله خلّدا للموت فينا سهام غير خاطئة من فاته اليوم سهم لم يفته غدا (وَمَا جَعَلنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ ۖ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ). وقال فضيلته: أين من عاشرناه كَثِيراً وألفنا، أين من ملنا إليه بالوداد وانعطفنا، كم أغمضنا من أحبابنا جفناً، كم عزيز دفنّاه وانصرفنا، كم قريب أضجعناه في اللحد وما وقفنا؟ فهل رحم الموت منا مَرِيضاً لضعف حاله، هل ترك كاسباً لأجل أطفاله، هل أمهل ذا عيال مِنْ أَجْلِ عياله؟ يا عبدالله في كل يوم عبرة بعد عبرة، وفي الموت ناه لو كنت ممن ينتهي فحتى متى حتى متى وإلى متى لا ترعوي لا تتقي؟ إلى كم تمادى في غرور وغفلة وكم هكذا نومٌ متى يوم يقظة لقد ضاع عمر ساعة منها تشترى بملء السماء والأرض أية ضيعة أفان بباق تشتريه سفاهة وسخطاً برضوان وناراً بجنة أأنت صديقٌ أم عدو لنفسه فإنك ترميها بكل مصيبة لقد بعتها حزني عليك رخيصة وكانت بهذا منك غير حقيقة اليوم تفعل مَا تشاء وتشتهي وغَداً تموت وترفع الأقلام ويفسق المذنب بالكبيرة كذا إذا أصرّ بالصغيرة لا يخرج المرء من الإيمان بموبقات الذنب والعصيان وواجب عليه أن يتوبا من كل مَا جر عليه حوبا قال الله تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وقال رسول الله عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا). أستغفر الله من ذنبي ومن سرفي إني وإن كنت مستوراً لخطاء لم تقتحم بي دواعي النفس معصية إلا وبيني وبين النور ظلماء ولقد عجبت لغفلتي ولغرّتي والموت يدعوني غَداً فأجيب ولقد عجبت لطول أمن منيتي ولها إلي توثب ودبيب عصيت الله أيامي وليلي وفي العصيان قد أسبلت ذيلي فويلي إن حرمت جنان عدن وويلي إن دخلت النار ويلي قال الله سبحانه وتعال: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ). وفي الخطبة الثَّانِية ذكر فضيلته أن الدين رأس المال وشرف الحال والمآل؟ وكل كسر فإن الدين يجبره… وما لكسر قَنَاة الدين جبران كل المصيبات إن جلت وإن عظمت… إلا المصيبات في دين الفتى جلل وها هي الفتن قد تلاطم سيلها، واضطرب واصطكّ، ومسارب الحيات بادية في السهول، والدساسة تحت التراب، والعقرب يسري في خفاء، وبيض السام تحت الصخور، والدنيا مَا بين بلاء وفتنة؛ فأعدوا للبلاء صبراً. وعَنْ عبداللَّهِ بْنِ الدَّيْلَمِيِّ, قَالَ: "إِنَّ أَوَّلَ ذَهَابِ الدِّينِ تَرْكُ السُّنَّةِ, يَذْهَبُ الدِّينُ سُنَّةً سُنَّةً, كَمَا يَذْهَبُ الْحَبْلُ قُوَّةً قُوَّةً". وقال أبوبكر الصديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: "لَسْتُ تَارِكاً شَيْئاً كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الَّلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ بِهِ إِلا عَمِلْتُ بِهِ، وَإِنِّي لأَخْشَى إِنْ تَرَكْتُ شَيْئاً مِنْ أَمْرِهِ أَنْ أَزِيغَ". فاثبتوا يا عباد الله على الْكِتَاب، وَالسُّنَّة، والشريعة، والدين، والقيم، والأَخْلَاق، واحذروا الغواة الفتانين، "واحذرهم أن يفتنوك عن بعض مَا أنزل الله إليك". واختتم فضيلته الخطبة بالدعاء: اللهم إنا نسألك الثبات في الأَمْر، والعزيمة على الرشد، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمناً مطمئناً، وسائر بلاد المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم اجعل ديارهم ديار أمن وأمان يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وَفْقَ خادم الحرمين الشريفين وولي عهده لما تحب وترضى، واجعل عمله في رضاك، ووفق جميع أمور ولاة المسلمين للعمل بكتابك وتحكيم شرعك يا ذا الجلال والإكرام، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغفور الغني ونحن الفقراء، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.