أكد سماحة مفتي عام المملكة، رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، على اهتمام الإسلام بالعلم والتعليم، والحث على التعلم، ورفع منزلة العلماء في الدنيا والآخرة، حيث قال تعالى: "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ"، وقال: "يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ". وقال سماحته في خطبة الجمعة بجامع الإمام تركي بن عبدالله بالرياض اليوم: أيها المسلم إن للمعلم دوراً في المجتمع، وأثراً عظيمًا في تربية النشء، وعلى المعلم أن يحرص على الآداب التي تحقق له مراده وتجعله يؤدي واجبه بكل أمانة وإخلاص، لكي يكون علمه نافعاً، ومقصده ناجحاً، وتربيته تربية صالحة مؤثرة، فمن تلكم الآداب، الإخلاص لله جل وعلا، فالإخلاص لله أصل في قبول العمل لأن الله لا يقبل من عامل عمله حتى يكون عمله خالصاً لله، وحتى يكون عمله على وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله جل وعلا: "وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ"، وقال تعالى: "فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا". وأوضح سماحته أن الإخلاص لله في العمل بأن يكون المبتغى به وجه الله والدار الآخرة، مع الوفاء بما شرع الله من أسباب قبول الأعمال بتوفيق الله، يقول صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى"، فالواجب على المعلم الإخلاص لله في علمه، وليحذر أن يكون علمه وتعلمه لأجل مباهاة العلماء أو مجاراة السفهاء أو تقدير الناس له، يقول صلى الله عليه وسلم: "من تعلم علماً ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء أو يتخير المجالس فالنار النار"، وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: "من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة". وحثّ سماحته المعلم على الإخلاص لله في وظيفته عسى الله أن يجعل لديه خيراً ينقذ جاهلاً ويبصر غافلاً ويعينه على أداء مهمته لأنه مسؤول، والمُعلم والتعليم قوام المجتمع، فمتى صلح المُعلم وأدى المعلمون واجبهم ذكوراً وإناثاً سَعِدَ المجتمع بهذه الأخلاق الكريمة. وأضاف سماحة مفتي عام المملكة قائلاً "أخي المعلم.. أختي المعلمة لابد من تقوى الله قبل كل شيء، لأن تقوى الله سبب لكل خير، قال تعالى: "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ"، تقوى الله في خشيته وخوفه ومراقبته في السر والعلانية، هذه حقيقة التقوى، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ". وأكد سماحته أنه لابد أيضا من أن يتخلق المعلم والمعلمة بحسن الأخلاق وجميل الصفات، ليسمو في أعين طلابه، ويقبلون عليه ويتلقون ما يقول بالقبول، ومتى كان سيئ الخُلق ضيق النفس لا ينبث مع الآخرين ولا ينتفعون به انغلق على نفسه وأصبح علمه خاصاً به لا ينتفع به أحد، فبحسن الأخلاق يمكن للمعلم والمعلمة أن ينفذوا إلى قلوب أبنائنا وبناتنا بكل خلق حسن، وقد أثنى الله على نبيه صلى الله عليه وسلم معلم الخير بقوله تعالى: "وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ"، فمحمد صلى الله عليه وسلم في تعليمه الجاهل على أكمل خلق وأحسنه، يعلم تعليماً نافعاً برفق وحسن أخلاق فينتفع المتعلم منه، المسيء في صلاته قال له صلى الله عليه وسلم "صلِّ فإنك لم تصل" ثلاث مرات، فقال له والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني، فعلمه أداء الصلاة بالطمأنينة في كل أحوالها، هكذا صلى الله عليه وسلم كان يعلم الخير ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر مع الأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة، تقول عائشة رضي الله عنها لما سئلت عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم قالت: أما تقرأ القرآن، إن الله يقول: "وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ" فكان خلقه القرآن صلى الله عليه وسلم. وطالب سماحته المعلم والمعلمة بالتحلي بالصبر، فإن بالصبر تنضبط أموره ويعان على حل المتاعب والمشاق، فإن الله خلق الناس بأمزجة مختلفة وطباع متنوعة، يحتاجون إلى من يصبر على أمورهم ويحل مشاكلهم، فأبناؤنا وبناتنا في أمسّ حاجة إلى أن نصبر عليهم ونعالج مشاكلهم. وقال سماحته: أخي المعلم قد تقف على بعض مشاكل الأبناء وما يعوقهم في دراستهم، إما مشاكل داخل بيوتهم بين الأبوين أو بين الإخوان، فلابد أن تعالج المشكلة وأن تحرص على حلها بين الطلاب، وضرورة الاتصال بأولياء أمورهم، لأنك مؤتمن على هذا الأمر العظيم، فلابد من صبر واحتساب وتحمل للخير. وناشد سماحة مفتي عام المملكة المعلم والمعلمة بالتواضع لله وقال: بتواضعك أيها المعلم وأيتها المعلمة، بالتواضع الطيب، يجرؤ معكم الطلاب والطالبات، ويسألون ويستفسرون، أما إذا كان المعلم متكبراً متعالياً متعاظماً في نفسه لا ينظر لطلابه إلا نظرة الاحتقار والازدراء، أو أنه يؤدي وظيفة دون أية مسؤولية فهذا خطأ، فالتواضع وسيلة لكل خير، يقول صلى الله عليه وسلم: "ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله"، فكن طالب العلم متواضعاً لله، وليكن علمك حاملاً لك على التواضع وعدم الطغيان، قال تعالى: " كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى". وتابع سماحة مفتي عام المملكة قائلاً "لابد من أن يلتزم المعلم والمعلمة بالتعامل بالعدل مع الطلاب، فإن الله يقول "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ" فالعدل مطلوب، فالطلاب أمام معلمهم كأنهم رعية أمام راعيهم فيكون معهم بالعدل في أمورهم كلها، فبالعدل قامت السماوات والأرض. وطالب سماحته المعلم والمعلمة بالرحمة والإحسان إلى الأبناء وإلى البنات. ودعا سماحته المعلم إلى أن يكون قدوة صالحة حسنة لطلابه وأن تكون المعلمة قدوة صالحة لتلميذاتها، فإن المعلم إذا اتقى الله وأدى واجبه فكان مظهره إسلامياً طيباً وألفاظه ألفاظاً طيبة لا يتكلم إلا بخير ولا يقول إلا خيراً ينبس مع طلابه لكن باتزان وعقلية راجحة لا ينبس معهم في أمور ترهات لا قيمة لها، بل يظهر لهم حلمه وقدرته على أداء الواجب مع التخلق بالأخلاق الكريمة والصفات الحميدة، فلسانه طيب وعمله طيب وتقويمه طيب ونظره طيب، فيعاملهم بما يحب أن يعامل أبناءه به من صبر عليهم وتوجيه وإرشاد ونصيحة وانضباط.. يناقش ويحذر.. فلعل لطالب مشكلة في نفسه مع أبويه ومع أهل بيته فينظر فيها نظرة الرحمة والمودة، لأن الأصل والهدف من ذلك إصلاح الطلاب والهداية إلى الطريق المستقيم، سائلا الله التوفيق والسداد للجميع.