التقاعد حديث يلوكه الموظفون المطحونون فيما بينهم تحت عجلة الدوام! الأغلب يراه حلما وينتظره كما ينتظر الظمآن عابرا يجود عليه بما يبلّ ريقه، وآخرون يرونه الحل السحري لكل مشاكلهم ومعاناتهم، مجالسهم لا تخلو من الأسئلة العريضة ( متى؟ ) ( وكم بقي؟ ) ( وكيف سيكون الحال بعد الانقطاع عن العمل ) من هؤلاء من يحلم به ويخافه معتقدا أن الحياة ستتوقف بتوقف سيره كل صباح لمقر عمله ! يخشى أن يقتله الفراغ ويؤكد لنفسه أنه لم يكوّن حياته كما ينبغي، يظن أن تحليل مفردة ( متقاعد ) هو ( مت وأنت قاعد! ) فيموت هما، وجزعا، وخوفا، وهو لا يعلم أن في حياة المترجلين عن العمل حياة أخرى أجمل مما سبق، بشرط أن يترك عمله وهو في أوج مجده، وتألقه، وعطاءه فلا ينتظر أن يسمع عبارة ( ليته ترك ).. الترجل عن العمل بعد انقضاء السن القانونية لا بد وأن يسبقها رسائل ذاتية من المتقاعد لنفسه مفادها ( أن الحياة القادمة أجمل ) ثم السعي الحثيث و التخطيط لما بعد ترك العمل، هناك هوايات أُهملت وواجبات تجاهلناها بمحض إرادتنا، وأمنيات لم يتجاوزها الزمن! فلا زال في القلب نبض.. هناك الكثير مما يجب أن يعمل وقد حان الوقت لانجازه، كنت تعاني ضيق الوقت، وهذا الوقت بين يديك فلا يمرق منك دون استثماره، كنت تتمنى لو تمارس هواية تعشقها حد الشغف، وقد حان الوقت فلِمَ تجزع وممَ تخاف؟ الشعور بالرضى بالمنجز، والسعادة بما ستأتي به الأيام حين تحسن الظن بالله هو مكسب حقيقي لما بعد (( الترجُّل )) المتقاعد يجد نفسه بين تيارين متعارضين، تيار مؤيد ويمرر للمتقاعد أنه حان الوقت للراحة وترك ضغوطات العمل، وتيار يتحدث بعاطفته لاسيما حين يكون ملازما للمتقاعد في عمله أو مستفيدا من نبوغه وتميزه، فهو يحاول أن يثنيه عن قراره ويبرر له ذلك بخوفه عليه من الفراغ والتقوقع على نفسه، ويصور له الحياة بعد العمل أنها كئيبة ورتيبة! وما علِم أن سنوات العمر بعد التقاعد قد تكون أجمل السنوات وأروعها، فيها يتفرغ الإنسان إلى نفسه، فيعمل على إسعادها باللحاق بركب كل ما فاته من رغبات كانت حبيسة الوقت المزدحم بالعمل ومتطلباته، لا تتردد في الاقدام على التقاعد فالأيام لا تعود والأعوام تمضي وانت بحاجة إلى فيض من السعادة والراحة والتمتع بمنجزاتك التي لم تلحظها في ظل انشغالك الدائم بالعمل . كتبه/ الأستاذة: جواهر الخثلان