نعيش وقتًا ليس بالقصير مع أشخاص لم نرى يومًا منهم إلا كل تثبيط وكل تجريح زرعو ه في أعماق الفؤاد ، تجرعنا مرار ة التحمل والصبر ومرارة التسامح ، ولم نتفوه مرة بما يؤلم قلوبهم ولا حتى ما يكس ر طموحاتهم ، راعينا كثيرًا خواطرهم ، وجبرنا مصاب هفواتهم ، وعظيم سخطهم على تواجدنا في محيطهم ؛ وكأننا يوماً كنّا نعيش فوق رُؤوسهم …ثم ماذا؟
دارت رحى الأيام ، تلك الأيام التي تطحن ما بي ن دفيتها بلا هوادة … دارت على الجميع ، وكأننا لعبة بين يديها ، جاءت بهم في مقدمة الركب ، وجعلت اولئك في الأخير ، ورفعت هذا وخفضت ذاك …لكن مال م يكن في الحسبان ؛ هو أن جريح الأمس عفاء وصفح وتناسى ، ولم يعبس قط …
كان دواء ل جراحهم ، وشفاء ل مصاب قلوبهم ، وأسدى لهم من الخير ما مل ئ يداه ، كان كريم في العطاء لطيفًا في العبارة ، وحتى بالبسمة ، كثير الاهتمام …
شاخت ذاكرته عن سوء عملهم وخبيث طباعهم ، عاش مكفوف البصيرة عن اخطائهم ، عزيز النفس عن دناءتهم …على فأعتلى عن كل انخفاض أخلاقي مارسوه عليه ؛ لأن نفسه الكريمة لا تح ب الانتقام ولا تجيد الخبث … كونوا كالطيور في السماء ، لا تهبط إلا على علو الأشجار حتى وإن فقدت م الذاكرة فعند الله جبر القلوب .