بعد تحرير الكويت عام ١٩٩١م، بقيت القوات الأمريكية والمتحالفة متأهبة بالمنطقة على الأرض وسطوح البحار والخلجان المحيطة لفترة ليست بالقصيرة.
وكان الجهد العسكري والاستخباري الأميركي خلال عمليات التحرير وما تلاها هو الرئيس الذي يعتمد عليه الحلفاء، وحينما كنا نجتمع كزملاء ممثلين لتخصصات وحداتنا المختلفة كان الفرنسيين والإنجليز تحديداً يتلقون المعلومات والاستخبارات واعتماد تنفيذ المهام من القوات الأمريكية التي يتواجد ممثلها ومساعديه كل صباح لإعتماد ذلك والموافقة عليه من الجميع بلا استثناء.
وضمن تلك التعليمات والشروحات اليومية كان العرض المرئي الذي يبين صلاحية وجاهزية جميع قوات التحالف وضمنها فخر الأساطيل البحرية الامريكية حاملة الطائرات العملاقة “يو إس إس ابراهام لينكلون” ومجموعتها الضاربة المرافقة لها. يتساءل حينها القائد الاميركي مع مساعديه عن حالة جناح الحاملة الجوي ٢.
الزملاء الضباط الفرنسيين كانوا أكثر مصداقية من الإنجليز في تقييم حجم المقدرة لديهم خلال احاديثنا الجانبية، أحدهم الذي اهديته صورة فوتغرافية خارجية لمبنى وزارة الداخلية التي كان معجب بها، قال نحن متقدمين جداً في الجيوش الفرنسية على مستوى القارة ولكن ياصديقي نحن بعيدين جداً عن مستويات وقدرات واستخبارات امريكا، وقد أدركت صحة كلامه لاحقاً خلال فشل الاوربيين وضعف قدراتهم وقلة حيلتهم خلال الحرب ضد صربيا عام ١٩٩٥م حتى انقذتهم واشنطن من خلال الناتو وخارجه!.
لم يكن بوسعي حينذاك تخيل أن هناك فرصة قادمة ونادرة ضمن عدد محدود جداً من الزملاء للتواجد على متن الحاملة ابراهام لينكلون في عرض مياه البحر!، وبالفعل تم اختيارنا للمهمة وأقلعنا من إحدى قواعدنا الجوية بطائرة امريكية بحرية خاصة، هبطت بنا على سطح الحاملة الساعة العاشرة صباحاً وكان أشد هبوط واجهناه بالحياة حتى الآن وهذا طبيعي بالنسبة لعالم الحاملات البحرية.
بقينا بالحاملة لعدة أيام مع الآف من البشر. والتوقيت هناك والعمل اليومي بدقته لا يشبه غيره خارجها. والنظام الآني بالحاملة لا يمكن تصوره من حيث الصرامة حتى في العلاقات الإنسانية والتواصل بين اطقمها.
أما حين تشاهد بعينيك إنزال الطائرات من على سطح الحاملة الى سطح سفلي بمستوى سطح الماء أو تحت ذلك للصيانة فالمسافة هناك حسابها مذهل وبأقل من السنتمتر بين جناح الطائرة والأخرى. ناهيك عن الاقلاع والهبوط للمقاتلات ونحن على مسافة أمتار على السطح أو في برج القيادة.
عالم هذه الحاملة وجسارة رجالها ونساءها وقوة تحملهم يعبر عن عظمة هذا الإنسان الذي وهبه الله العقل والتفكير والعلم والشجاعه!.
هل العملاق الحاملة يو إس إس إبراهام لينكلون واسطولها اللوجستي المرافق بوضعها الحالي هي نفسها التي بقينا على متنها لعدة أيام في التسعينات الميلادية؟، بطبيعة الحال ليست كما كانت، فكل شىء يتغير تقنياً وفنياً وتسليحاً وربما تدريعاً.
وهنا قصة مخابراتية وتورية إعلامية حول هذه الحاملة الأمريكية، ففي عام ١٩٩١م وقبل بدأ العمليات الجوية لتحرير الكويت كانت ابراهام لينكلون تعبر مضيق جبل طارق باتجاه البحر المتوسط شرقاً متجهة للخليج ولكن الاستخبارات الامريكية أوعزت لمحطة “سي إن إن” أن تعلن دخول الحاملة لقناة السويس مع الصور التي تثبت ذلك! ففعلت السي إن إن وكان ذلك لإيهام الجيش العراقي بأنه اصبح في دائرة تأثير اسلحة الحاملة، مع انها لم تصل الى موقعها المحدد إلا بعد أسابيع!. هل هذا يعني لنا شىء الآن؟ ربما لمن هم في اسلحة الاستخبارات والمعلومات والعمليات والإعلام.
وحينذاك بعد تحرير الكويت وخلال اعادة انتشار القوات المتحالفة قالت مصادر اميركية إن حاملة الطائرات ابراهام لينكلون والقاذفة الإستراتيجية بي ٥٢ سوف تحال الى التقاعد قريباً، لكن الذي حدث هو أن أغلب افراد وضباط الجيوش الإمريكية والعالم هم الذين تقاعدوا وجاء غيرهم، بينما بقيت الحاملة والقاذفة ٥٢ مصدر فخر وقوة وردع وتهديد اميركي وستظل الى أجل.
ارجو أن تتاح الفرصة للكثير من رجالنا لزيارة حاملات الطائرات والإطلاع على عوالمها وعملياتها ونمط الحياة على متنها.