كشفت أعمال الفريق العلمي بقطاع الآثار والمتاحف وقطاع المناطق بالهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني للموسم الرابع في موقع العبلاء بمحافظة بيشة بمنطقة عسير عن أساسات لمسجد يعود تاريخه إلى الفترة الإسلامية المبكرة تقدر مساحته ب (616) م2. ويرأس فريق العمل مدير مكتب السياحة والتراث الوطني ببيشة عبدالله بن سعيد الأكلبي وعدد من الباحثين من المحافظة ومن مكتب آثار عسير ومن قطاع الآثار بالرياض، إذ جاء تشكيل الفريق وتنفيذ الأعمال بتوجيه من رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث والوطني صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان، ضمن مبادرة تأهيل المواقع الأثرية في برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري. وشرح الأكلبي تفاصيل المكتشفات، مشيرا إلى أن المسجد يتوسطه محراب نصف دائري مجوف إلى الخارج، في منتصفه مساحة مكشوفة، وغرفتين جانبيتين في الجهة الجنوبيةالشرقية ربما كانت إحداها مضيئة للمسجد. ونوه الأكلبي بإعداد خطة عمل للتوسع في الأعمال الميدانية، ما أثمر عن الكشف أيضا عن عدد من الوحدات المعمارية المترابطة التي تحتوي على كثير من الظواهر الأثرية، من أهمها الجدران المجصصة والأحواض الدائرية ومخازن للمياه، بالإضافة إلى جرار فخارية ضخمة، استخدمت لتخزين الفائض من الحبوب والمحاصيل الزراعية والتي أنتجها سكان العبلاء. وأضاف الأكلبي بأن تنقيبات هذا الموسم شملت التلال الغربية من الموقع لتكشف عن مزيد من الوحدات المعمارية التي تُمثل غرف بمساحات كبيرة تتصل بها مخازن ذات مساحات أصغر، وما يميّز هذه الغرف والمخازن أنّ أرضياتها وجدرانها مكسوّة بالجص وعلى جدرانها من الخارج أعمدة اسطوانيّة مزدوجة الشكل من الجص تذكرنا بما وجد في كثير من الحواضر العربية داخل الجزيرة العربية، كما وجد على عدد من المصاطب وقنوات صرف المياه إلى خارج الوحدات السكنية، إضافةً إلى العثور على بقايا سلم مبني من الألواح الحجرية وطوب اللبن، يؤدي إلى طابق علوي أو مخزن علوي ، كما يظهر بقايا أعمدة خشبية ربما كانت حاجز للسلم. وأشار الأكلبي إلى كثافة المعثورات الأثرية وتنوعها، منها الكشف عن جرار فخارية ضخمة مشابهة لما عثر عليه في المواسم الماضية، إضافة إلى عدد من المطاحن والمدقّات الحجرية التي استخدمت لطحن الخامات المعدنية وتجهيزها للصهر، وكسر متنوّعة من الفخار والخزف المزجج والحجر الصابوني والزجاج والتي كانت بمثابة أواني استخدمت في عملية تصفية الخام ومعالجته قبل صهره في الأفران الخاصة بذلك، فضلاً عن اكتشاف أفران خاصة متنوّعة الأحجام لصهر بعض الخامات المعدنية داخل الغرف كمراحل متقدّمة من الصهر. وفي سياق متصل، أفصح الأكلبي أنه كشف أيضاً في هذا الموسم أثناء المسح في منطقة لا تبعد أكثر من 5كلم عن جنوب العبلاء عن وجود أساسات حجرية لوحدات معمارية متنوّعة لمستوطنة بشرية سكنت الموقع تزامناً مع فترة الاستيطان بالعبلاء والتي اعتمدت على حركة تبادلية تجاريّة لأنشطة حرفية لأعمال تعدينية تظهر جليّاً من خلال كثرة خبث الحديد وبقايا رحي التعدين في الموقع. من جانبه، قال مدير عام مركز البحوث والدراسات الأثرية بالهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني د.عبد الله الزهراني إن هذا المشروع من المشاريع الرائدة التي تنفذها الهيئة، مشيرا إلى أهمّية الظواهر المُكتشفة والمعثورات والتي تميّز بها هذا الموسم من دقّة في تخطيط الوحدات المعمارية وجودة في تنفيذها، يتجلّى ذلك في روعة التكسيات الجصّية واستخدامها في أعمال اللياسة في الجدران والأرضيّات هذه الوحدات المعماريّة، ومدى الإتقان في زخرفتها من خلال الأشكال الهندسية في القوالب والأفاريز الجصّية في جدران مباني هذه المستوطنة، ومن المتوقع أن يتم استكشاف عدد من الظواهر الأثرية بالموقع خلال المواسم القادمة والتي ستساهم في التعرف على صفحة من التاريخ الحضاري للجزيرة العربية خاصة في مجال اقتصاديات مستوطنات التعدين. من جهته، أوضح مدير التراث الوطني بمنطقة عسير سعيد بن علي القرني أن العبلاء لعبت كغيرها من حواضر جنوب غربي الجزيرة العربية، بعد ظهور الإسلام بدور تاريخي وحضاري كونها ضمن المحطات الرئيسة الواقعة على مسار طريق الحج اليمني الواصل بين صنعاء ومكة المكرمة، فضلاً عن دورها الاقتصادي كواحدة من مجتمعات التعدين في أوائل الفترة الإسلامية، مضيفا بأن الفريق السعودي في هذا الموسم قام بدور كبير في الكشف عن بعض ما يحتويه الموقع من ظواهر أثرية ومكتشفات، ستكون محفزة ومشجعه للفريق في الموسم الخامس القادم إن شاء الله. من جانبه، لفت مدير عام الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بمنطقة عسير المهندس محمد العمرة إلى أن بيشة تعد من المناطق الغنية بالآثار، كونها كانت ممرًا للقوافل، حيث توالت عليها الحضارات، وأن التنقيبات الأثرية في مواقع منطقة عسير ب ( جُرش و العبلاء ) ستنفض الغبار عن كثير من المكتشفات الأثرية بهما، مضيفا أن توجيهات سمو رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني لاستمرار أعمال التنقيب دليل على حرص سموه عن الكشف عن ما تحتويه هذه المواقع من تاريخ حضاري كبير.