لأن التباهي الخداع زاد، والتفاخر الممقوت ارتفع هرمونه وساد في كثير من الأنفس الضعيفة، فخرج لنا داء عِضال لم يكن يعرفه أسلافنا من قبل، وهو (الهياط) فزاد بسبب ذلك الهرمون عدد الشيوخ المستعارة، وهُمّشوا الشيوخ الحقيقين الذين توارثوها كابرًا عن كابر، وخَرَجوا لنا أشخاص بين يوم وليلة ناموا وهم من عامة الناس واسيقظوا من نومهم شيوخ!! ولا تجد (مهايطي) إلا وانتكست لديه كثير من مفاهيم الحياة، وأصبح يعمل أشياء لا يُؤْمِن بها في قرارة نفسه ولكن أجبر نفسه على فِعلها ليواكب ركب المهايطيين !! فأي مرض بعد هذا المرض ؟! فكل من أراد ان يُصبح شيخاً مستعاراً لابد أن يؤمن بهذه المفاهيم المغلوطة ويعمل بها :- – عليك بالتبذير المقيت في الأكل باسم الكرم !! – لاتنس الكذب بالأمجاد تحت مفهوم التمليح !! – كرر التفاخر المذموم تحت مظلة ذكر المحاسن !! – زاحم الكبار بالمجالس من باب التصدُّر !! – إياك والتواضع بالجلوس حيث ينتهى المجلس لأنه ذلة !! – ثق بأن العُجب بالنفس فخراً !! – التجمّل بلبس البشت أصبحت شِيخة !! – إياك ولين الجانب والتسامح لأنه ضعف !! – عليك بالتعالي والكِبر لأنه مجدٌ !! – اللهث وراء الفلاشات لإثبات الوجود !! – نعت الجميع بكلمة شيخ لِتُجازئ من الجميع بمثلها !! – احرص على تنزيل ونشر (نفسك/ مجلسك/ دلالك) بل حتى ( لُقمة) ضيفك تحت مسمى خبر اجتماعي !! – أبرز أعمالك رياء وسمعة لأنه تفاخر !! – لابد من استماتتك على الفلاشات وأضواء الكميرات وملاحقتها لإظهار نفسك لأنه ظهور إعلامي !! – تمسك بوسوسة حضور كل مناسبة مهما صغرت لهدف توثيق نفسك بالصور و إرسالها لمجموعات “الواتس اب” وانتظار ثناء الأعضاء ومدحهم !! ولا يظن البعض أن هذا الداء العضال (الهياط) موجود فقط عند العوام، أو فقط عند من يلهثون خلف الشِيخة، بل موجود حتى على مستوى المتعلمين !! فتجد أحياناً الموظف البسيط (كموظف الاستقبال مثلاً) يتكلم مع المراجع وكأنه مدير الدائرة !! وتجد المدير يرتدي وشاح الوزير لشدة إعجابة بشخصيته ومحاولة لإثبات نفسه المعلولة !! وتجد قوة أوامر العريف على الجنود الذين ينقصوه فقط رتبة واحدة وكأنه لواء!! ولا يخلو المجال الصحي من ذلك الهياط، فتجد أحياناً الممرض يحمل سماعات الطبيب ويلبس البالطو الأبيض وكأنه طبيب أمام المرضى والمراجعين ولو سألته عن معنى “الصحة الوقائية” لتلعثم وفر هارباً!! وليت الأمر ينتهى عند ذلك بل الأمر تعدى حتى وصل لدين الله فتجد أنصاف المتعلمين يخالفون علماء شابت لحاهم في العلم والتعليم بحجة وجهة نظر !! فالهياط لا يقف عند شخص أو شهادة ولا يحتكره منصب او وظيفة، ولاهو رداء عائلة او قبيلة معينة، فمتى ماضعف الإنسان وأحس بالنقص وعدم الثقة بالنفس لجأ للهياط لإكمال ذلك النقص !! فمتى يفيق هؤلاء المرضى ؟ ومتى يدركوا خطورة انزلاقهم بهذا الداء ؟ وأنهم وبال على المجتمع ؟ وختاماً لا علاج أنجع وأفضل من التواضع ولين الجانب ولجم النفس عن رغباتها الممقوته والهروب من العُجب وحب التعالي والرضى بما قسم الله وما عند الله خير وأبقى . كتبه : سعود الغليسي