مع بداية رحلة السفر لقضاء الإجازة، مررت بتجربة ممتعة رأيت خلالها طفلي الذي يبلغ من العمر سنة وثمانية أشهر، يلمس تقريبا كل جزء من الطائرة بدءا من العدد الكبير من أذرع الكراسي، والأشخاص الذين مررنا بهم في الممر، وصولا إلى النافذة وما عليها من بصمات للأصابع. ونتيجة لخوفي المرضي من الجراثيم، فقد عملت ما في وسعي حتى لا أغرق يدي ابني في السائل المطهر، ثم أقيد حركته. لكنني كنت مسافرة وحدي بصحبة طفلين وكان هو سعيدا بالتقاطه حبوب الإفطار من فوق الأرض وتناولها. ومن أجل الركاب الآخرين على الطائرة، تركته يمسك بأي شيء يريده. ومن ثم لم أفاجأ عندما وجدت أنفه يرشح ويسعل سعالا جافا بعد فترة قصيرة من وصولنا إلى البلد الذي كنا متجهين إليه. وأصيب أخوه الأكبر بالعدوى وانتهت الإجازة في عيادة طبية تابعة لشركة «سي في إس»، حيث وجد أن الاثنين أصيبا بعدوى في الأذن. تعد الإصابة بنزلات البرد أو السعال أو أي مرض آخر بعد السفر جوا أمرا متكررا حتى بين البالغين الذين يحاولون أن لا يلمسوا طاولة الطعام المتحركة. لكن هل الطائرة هي السبب وراء ذلك؟ يقول مارك جيندرو، أخصائي الطب الجوي ونائب رئيس طب الطوارئ في «لاهاي كلينيك» في برلينغتون بولاية ماساتشوستس إن الأمر ليس على هذا النحو، حيث يوضح قائلا: «هناك احتمال للإصابة بعدوى فيروسية أثناء السفر، لكن عليك أن تتذكر أن التنقل من مكان إلى آخر هو ما يعرضك للجراثيم مثل الزحام بقطار الأنفاق في الطريق إلى المطار، والمصعد، والانتظار في الصف لإنهاء الإجراءات، والصعود إلى الطائرة، والنزول منها. يكاد يكون تحديد المكان الذي التقطت منه العدوى أمرا مستحيلا». بل ويوضح الخبراء أن بيئة الطائرة ربما تكون أقل خطرا من الكثير من الأماكن المزدحمة والمغلقة الأخرى. ويؤكد سيندرو أنه لا يمكن للجراثيم أن تنتشر باستمرار في الطائرة بفضل تحسين أنظمة التهوية في طائرات الركاب. ويقول إن هناك احتمالا كبيرا للإصابة بمرض معد من خلال الاتصال بشخص مريض أو لمس سطح ملوث نتيجة السعال أو العطس أو أي مسبب آخر مثل ذراع المقعد أو الشبكة التي أعلى رأس الراكب والتي توضع بها القمامة. وقد أوضحت الدراسات أن الجراثيم تنتقل في الطائرة في أغلب الأحيان من خلال الناس المحيطين بك، خصوصا من يجلسون في نطاق صفين منك، على حد قول مايكل زيمرينغ، الطبيب الباطني ومدير مركز «هيلثي ترافيل» في مركز «ميرسي» الطبي في بالتيمور. وأوضح مايكل: «كلما قلت المسافة وزاد الوقت الذي تقضيه مع آخرين في مكان مغلق الذي كثيرا ما يصل إلى ساعتين، زادت احتمالات الإصابة بنزلات برد». وقد تمت دراسة 747 رحلة طيران من لوس أنجليس إلى نيوزلندا كان على متنها على الأقل 9 ركاب تأكدت إصابتهم لاحقا بإنفلونزا الخنازير في بحث نشر في نهاية شهر مايو (أيار) الماضي في المجلة الطبية البريطانية. وتوصل الباحثون إلى أن ثلاثة ركاب آخرين ممن بدوا مصابين بفيروس على الرحلة كانوا يجلسون في نطاق صفين من الشخص المصاب بالعدوى، وهو ما يجعل نسبة فرصة انتقال الفيروس في نطاق صفين 3.5 في المائة ونسبة انتقاله إلى أي شخص يجلس في القسم نفسه من الطائرة 1.9 في المائة. * انتقال الجراثيم * ويقول تشارلز غيربا، أستاذ علم الأحياء الدقيقة في جامعة أريزونا، الذي درس كيفية انتقال الأمراض داخل البيئات المغلقة، والذي عثر على بكتيريا موجودة عادة في البراز، وفيروسا معويا ومسببات أخرى للأمراض، على طاولات الطعام المتحركة، المثيرة للخوف: «لا يوجد أدنى شك في وجود جراثيم في الطائرات. ولا توجد ضوابط تفرض تنظيف وتطهير هذه الطائرات، حيث يعود هذا الأمر إلى شركات الطيران ولا يتم القيام بذلك بصورة دورية». لكن ما هي أكثر الأجزاء قذارة في الطائرة؟ إنها دورات المياه، بحسب غيربا، حيث يقول في بحثه إنه عثر على بكتيريا قولونية تقريبا على كل سطح في دورة المياه، خصوصا مقابض الصنابير وحامل الصابون ومقابض الأبواب. لكن بالطبع وجود الجراثيم لا يعني وجود مشكلة بالضرورة، حيث تقول كاثرين أندروس، مستشار مساعد عام لدى «اتحاد النقل الجوي» الذي يمثل شركات طيران أميركية كبرى: «هناك عامل مرعب، لكن أن نقول بوجود فيروس أو بكتيريا على سطح ما أمر والقول بأنه يسبب لك المرض أمر آخر. إذا كنا نتمتع نسبيا بالصحة وأجهزة مناعة قوية، فلا ينبغي أن يقلق أكثرنا إلى هذه الدرجة من احتمال تلوث الأسطح في أنحاء العالم». وأضافت أن غسيل الأيدي جيدا وباستمرار يساعد إلى حد بعيد في الوقاية من الإصابة من المرض في أي مكان مزدحم. * خطوات صحية * كذلك يمكن اتخاذ بعض الخطوات، حيث يقول زيمرينغ، مؤلف «السفر الصحي: لا تسافر من دونه»، إن من المهم الحصول على قدر كاف من النوم وتناول طعام صحي وتعاطي حقنة الوقاية من الإنفلونزا لتحصين الجسم قبل السفر. وينصح جيندرو بما يلي للحفاظ على الصحة أثناء السفر جوا: * تناول الماء، فنسبة الماء المناسبة مهمة للغاية لعمل الجهاز المناعي على النحو الأمثل. بالنظر إلى احتمال انخفاض الرطوبة النسبية في كابينة الركاب إلى 10 في المائة أثناء الرحلات الطويلة، من الضروري تناول أكبر قدر ممكن من الماء وتجنب تناول المشروبات الكحولية أثناء الرحلة. ويمكن للحفاظ على نسبة المياه في الجسم أن يساعد في الوقاية من الإصابة بغثيان المرتفعات الخفيف الذي من أعراضه الصداع والدوار والقيء.. التي كثيرا ما يظنها الناس نزلة برد أو إنفلونزا ما تعقب السفر جوا. * احرص على أن يكون معك مطهر للأيدي، ويعد الصابون والماء مناسبين للغاية. لكن نظرا لاحتمال تلوث مقابض الحنفيات بالحوض وموضع الصابون ومقابض الأبواب في دورة المياه بالجراثيم، استخدم مطهرا كحوليا بعد مغادرة دورة المياه وخلال الفترة الباقية من الرحلة. فكر جيدا قبل أن تفرك أو تخدش أو تربت على وجهك أو وجه طفلك أثناء الرحلة، فهذه الأمور قد تعد فرصة كبيرة لانتقال البكتيريا والفيروسات. * كن حذرا بشأن طاولة الطعام المتحركة، حيث لا تطهر شركات الطيران التي لا يزيد وقت الرحلة بها على ساعة هذه الطاولات أو الأسطح الأخرى مثل أذرع المقاعد والنوافذ بشكل دوري، لذا امسحها بمطهر كحولي عندما تجلس. * أبق فتحة التهوية مفتوحة، فعندما يسعل الناس أو يعطسون أو يتحدثون، يخرجون رذاذا قد يكون مكونا من 300 ألف قطرة. ويمكن لهذا الرذاذ أن ينتقل لمسافة أقدام كثيرة. من أجل تقليل فرصة وصول هذا الرذاذ إليك إلى الحد الأدنى، شغل منفذ التهوية على الدرجة المتوسطة، وقم بتوجيه تيار الهواء، بحيث يصبح مسلطا على وجهك مباشرا. ويساعد ذلك على إبعاد الجراثيم عن عينيك وأنفك وفمك. أما بالنسبة إلي، فأعتقد أنني من الآن فصاعدا سألتزم بالتخوف من الجراثيم وسأمنع طفلي من تناول الطعام من الأرض وسأضع المطهرات على طفلي وسأنظف البيئة المحيطة بنا بمجرد صعودنا على متن الطائرة. ربما لن تكون هذه الرحلة مصدرا للسعادة لي أو للركاب الآخرين، لكنها إذا كانت صحية أكثر، فسوف يستحق الأمر هذا العناء.