يقوم الهاكرز أو قراصنة الكومبيوتر بتعطيل المواقع الالكترونية، وباختراق الحسابات الخاصة، وسرقة المعلومات الشخصية، لكن دوافعهم في القيام بذلك ليست دائما إجرامية. فهل هذا مبرر كاف للقيام بأعمال مخالفة للقانون؟ تم الحكم قبل أيام على طالب بريطاني بالسجن لمدة ثمانية أشهر، وذلك لقيامه بعمل غير مشروع عبر شبكة الانترنت. ففي السنة الماضية قام الشاب البالغ من العمر 26 عاما باختراق الحساب الشخصي لأحد العاملين في مؤسسة فيسبوك ونجح في الحصول على معلومات بالغة الحساسية. وقد صرح الشاب أمام المحكمة أنه "هاكر ذو أخلاق" وأنه قام بذلك العمل للكشف عن نقاط الضعف في النظام الأمني لموقع فيسبوك، وكان يريد –حسب قوله- أن يبلغ إدارة فيسبوك بمواقع الخلل تلك. في الآونة الأخيرة ازدادت عمليات الاختراق في الانترنت وتكاثرت الأخبار حولها، ففي الأسبوع الماضي قام قراصنة الكترونيون مجهولو الهوية بتعطيل موقع إحدى شركات الأمن في الولاياتالمتحدةالأمريكية. كما قام آخرون باختراق الموقع الالكتروني لوزارة الاقتصاد اليونانية والبرلمان اليوناني، وذلك احتجاجا على سياسة التقشف التي تنتهجها الحكومة اليونانية. وقد ظل الموقع الالكتروني لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية(CIA) ولمدة أسابيع خارج التغطية كذلك بسبب هجوم من القراصنة الالكترونيين. اليوم ينظر إلى الهاكر بشكل سلبي كما يوضح الدكتور"مارتن مينك" الخبير في أمن الحاسوب في جامعة دارمشتات التقنية في ألمانيا، لكن الهاكر ليس دائما مجرما كما يوضح الدكتور مينك قائلاً:" الهاكر هو عموما شخص ذو دراية واسعة وذو معرفة جيدة". بدايات الهاكينغ أو قرصنة الحاسوب تم الاتفاق على مصطلح القرصنة الرقمية أو "الهاكينغ" في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في الخمسينات من القرن الماضي، حيث كان يوجد نادي لنماذج من القطارات. وكان الطلبة يقضون أوقات فراغهم في استعمال الكمبيوتر، الذي كان مخترعا حديثا في ذلك الوقت. وقد كانت لهذه النماذج من القطارات (وخاصة النموذج 704IBM) حواسيب كبيرة، لم يكن يسمح باستعمالها إلا للأشخاص المدربين بشكل جيد. وقد كان فنيو هذه القطارات يقضون الليل للقيام بتجاربهم، حيث كانوا يكتشفون نغمات جديدة، ويقلبون الأزرار، باختصار كانوا يجربون كل التقنيات.هذا يعني أن هؤلاء ال"هاكرز" كانوا يودون فقط اللعب واكتشاف حدود الممكن والقيام بتجارب واختبارات. وحدهم "الكراكر" هم من يقومون بأعمال تخريبية، والكراكر هو المصطلح الذي يطلق على القراصنة الرقميين الذين يقومون بأعمال تخريبية وغير مشروعة: كالتجسس وإلحاق الأضرار ببعض المصالح. ويعرف الدكتور مارتن مينك، كيف يمكن بالضبط القيام بهذه الأعمال التخريبية في الانترنت كسرقة المعلومات الشخصية واختراق الأنظمة الالكترونية. ويتم تلقين هذه المعرفة لطلبة جامعة دارمشتات التقنية، لكن هذه المعرفة تنقل إلى الطلبة لأهداف جيدة. الدكتور مارتن مينك هو الذي يشرف على دراسة أساليب " الكراكر" ، حيث يقوم الطلبة في إطار شبكة ضيقة بممارسة عمل "الكراكر" كفك الشفرات أو اختراق الأنظمة الالكترونية. حيل وفنون الكمبيوتر كدرس جامعي يمتلك مجرمو الانترنيت حيلا وفنونا متقدمة، ولذلك ينبغي على الطلبة أن يتلقوا تدريبا جيدا وأن يعرفوا كل الحيل، وكيف يمكن للمرء مواجهة هذه الهجمات الالكترونية وكذا تعلم فن الهجوم وفن الدفاع. وليست جامعة دارمشتات التقنية وحدها من يقدم هذه الدروس وإنما يستطيع الطلبة تعلم هذه التقنيات أيضا في كل من جامعة بوخوم وجامعة آخن، وكذلك المعهد العالي لمدينة بون-راين-زيغ و معهد ريغينسبورغ العالي والمعهد العالي لمدينة غيلسنكيرشن. لكن لا أحد يستطيع أن يمنع الطلبة من استخدام معرفتهم في أعمال غير مشروعة. وفي المعهد العالي لمدينة غيلسينكيرشن يُلزم الطلبة بالتوقيع على التزام التكتم عن المعرفة التي يتلقونها. رغم ذلك لا ينتظر الدكتور مارتن مينك الكثير من التوقيع على هذا الالتزام، بالنسبة إليه الضمير الأخلاقي للطلبة هو الذي يلعب دورا كبيرا. ولحد الآن لم تسجل أية تجارب سلبية. كذلك الأمر بالنسبة للدكتور هاردموت بوول، الذي يُدرس في المعهد العالي بون-راين-زيغ، ويقول:" أعرف حالات قليلة جدا في هذا الشأن، وأعرف حالات أخرى قام فيها الطلبة عن طريق السهو باختراق عنوان الكتروني، وهذا أمر يمكن أن يحدث. الشيء الوحيد الذي أطالب به هو الوضوح التام. أي ينبغي للطلبة أن يعتذروا و أن أقوم أنا بدوري بالاتصال بشكل فوري بالمؤسسة التي تعرضت لذلك". خيط رفيع يفصل بين الهاكر والكراكر إذن الهاكر هم الطيبون والكراكر هم الأشرار. التفريق بين اللون الأبيض والأسود هو أمر واضح جدا كما هو الأمر بالنسبة لنادي فوضى الكومبيوتر أو (ccc)، وهي أكبر جمعية أوروبية للهاكرز، وهي جمعية معترف بها. أي شخص يمكنه الاطلاع على الميثاق الأخلاقي لهذه الجمعية على صفحتها الخاصة على شبكة الانترنت. ويدرك شتيفان أولريش من خلية عمل "علوم الكمبيوتر في التعليم و المجتمع" من جامعة هومبولدت في برلين المبدأ الذي يوضح مبدأ حركة الهاكرز العالمية: "ينبغي أن يتم تداول المعلومات بحرية، فمن جهة ينبغي استعمال المعلومات العامة ومن جهة أخرى ينبغي حماية المعلومات الشخصية". لكن كيف يمكن التعامل مع الهاكرز الذين يتقمصون دور "روبن هود" -السارق الطيب الذي يسرق من أجل الفقراء- عندما يقومون بإغلاق بعض المواقع الالكترونية وتعطيلها من أجل "أعمال خيرية" كالتعبير عن احتجاج سياسي مثلا؟ في هذه الحالة نصل إلى الجزء الرمادي في المسألة، وهو ما يعني تذبذب نشطاء الكومبيوتر بدرجات متفاوتة بين الأبيض والأسود، أي ما بين الهاكرز والكراكرز، فهم يخترقون بعض الأنظمة المعلوماتية و يضعون بعض العلامات أو العبارات، لكن من أجل الوصول إلى أهداف سياسية أو التعبير عن مواقف. رغم ذلك فإن القانون واضح جدا في هذا الباب، فحسب القانون الألماني مثلا: "من يقوم بالدخول على معلومات لا تخصه بشكل غير مسموح به ، أو ينجح في اختراق مواقع مؤمنة، يعاقب على ذلك بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات أو بغرامة مالية." ورغم أن الطالب البريطاني صرح أمام المحكمة أنه قام باختراق الحساب الشخصي للعامل في مؤسسة فيسبوك، ليكتشف مواقع الضعف في النظام الأمني لفيسبوك، فإن حجته هذه لم تنقذه من الحكم بالسجن لمدة ثمانية أشهر.