رغم استقرار أسعار غالبية السلع في البورصات العالمية خلال الأشهر الأخيرة، وتراجع الشكاوى من نقص الإنتاج، واصلت الأسعار في المملكة منحاها الصعودي بنسب تراوحت بين 10 و 25 في المائة. وفي حين يلقي غالبية المستوردين باللوم في هذا ال«التسونامي» على ارتفاع المواد الخام والسلع من المصدر، خصوصا أن المملكة تستورد 90 في المائة من احتياجاتها من الخارج، يرى آخرون أن حل مشكلة الارتفاع المستمر في الأسعار يبدأ من منع احتكار الوكالات لاستيراد السلع، واستحداث مؤشر مستقل للأسعار، بهدف ضبط وقياس معدلات التضخم الخارجي الذى يستخدمه التجار مبررا لرفع الأسعار. ماذا يقول أهل الاختصاص في هذا الموضوع خصوصا ونحن على أبواب دخول موسم الحج الذي يشهد عادة ارتفاعات كبيرة في الأسعار كل عام؟ بداية، قال المحلل الاقتصادي والمالي الدكتور سامي النويصر إن أسعار غالبية السلع سجلت زيادة تراوحت بين 15 و25 في المائة في الأشهر الأخيرة وخصوصا في اللحوم والدواجن والملابس والمواد الغذائية، رغم استقرار أسعار غالبيتها في البورصات العالمية. ودعا إلى ضرورة التأكد من الفواتير الحقيقية للسلع من المصدر، لافتا إلى تقارير تشير إلى أن تكلفة كرتون الدجاج المجمد المستورد، على سبيل المثال، لا تزيد على 40 ريالا في حين تباع في المملكة بأكثر من 100 ريال، دون أن يستبعد وجود محاولات للتلاعب في هذه الفواتير للحصول على مصالح شخصية. وأشار إلى أن سر الأزمة يكمن في مفهوم البعض الخاطىء للحرية الاقتصادية والتي لا تعني على الإطلاق حرية التاجر في ممارسة الاحتكار وتحديد السعر الذي يرضيه فقط. ولفت في هذا السياق إلى جواز تدخل المسؤولين لتسعير السلع لمنع الظلم عن الطرف الأضعف في المعادلة وهو المستهلك. واستغرب عدم تطبيق قرارات مجلس الوزراء في 2008 والتي هدفت إلى منع احتكار بعض الوكالات لاستيراد سلع محددة من الخارج، مشيرا إلى أن دخول أكثر من مستورد من شأنه أن يعزز المنافسة ويصب في صالح المستهلك الذي يجب أن تكون أمامه خيارات متعددة لشراء السلعة الواحدة من أكثر من مستورد. مؤشر مستقل للأسعار من جهته، قال رجل الأعمال عدنان شربتلي إن الأسعار في المملكة لا تعرف سوى الاتجاه الصعودي في الغالب، وإن تدخلت الدولة من خلال الدعم لكبح الأسعار تراجع سعر السلعة هللات معدودة، ما يلبث التاجر أن يزيدها من جديد على السلعة. واستشهد على ذلك بما حدث في سعر الدجاج أخيرا عندما دعمت الدولة الأعلاف وسرعان ما ارتفع سعر الدجاجة حجم 1.300 كجم إلى 18 ريالا، كما لم يؤد القرار إلى تراجع سعر اللحوم بنسبة 20 في المائة كما توقع البعض، وإنما واصل سعر الأغنام الارتفاع ليصل إلى 60 ريالا للكيلو والبقري إلى 40 ريالا في المتوسط. وأشار إلى أن التجار السعوديين اعتادوا تبرير زياداتهم المتكررة بارتفاع أسعار المواد الخام في البورصة، وتكاليف الشحن، ورسوم التأمين وغيرها، وهي في الغالب أمور غير دقيقة، ورأى أن الفيصل في هذا الأمر ينبغي أن يكون في إنشاء مؤشر مستقل لأسعار الواردات يمكن من خلاله قياس حجم التضخم الخارجي حتى لا يكون مبررا أمام التجار لرفع الأسعار كما يريدون. ولفت إلى أن الإيجارات وأسعار المواد الغذائية على وجه الخصوص تمثل أكثر العوامل المؤثرة على الضغوط التضخمية، مشيرا إلى أن جهاز حماية المستهلك التابع لوزارة التجارة لم يضطلع بدوره كاملا في ضبط الأسعار؛ بسبب التكتلات والاتفاقات التي تجري من خلف الكواليس لرفع الأسعار. واستشهد على ذلك بما حدث في محاولة رفع سعر علب الحليب عبوة لترين إلى 8 ريالات أخيرا، والزيادات التي شهدتها أسعار الأرز والسكر في 2008، وكانت مؤشرا على بداية تحول جذري في المسيرة التصاعدية للأسعار . أزمة سوق الأسهم أما الاقتصادي الدكتور عبدالله المغلوث فعاد بالذاكرة إلى عدة سنوات مضت، ليشير إلى أن ارتفاع الأسعار تواكب مع انهيار سوق الأسهم في فبراير (شباط) 2006، وضياع نسبة كبيرة من مدخرات الأفراد الذين لم يسعفهم الوقت للخروج من السوق عندما كان فوق العشرين ألف نقطة، وانتظروا حتى تبخرت مدخراتهم عند أقل من 6 آلاف نقطة، ولايزال يحدوهم الأمل في أن تعود السوق إلى الانتعاش من جديد ولكن بدون جدوى. وقال إن هذه الأزمة حولت الكثيرين من أبناء الطبقة المتوسطة إلى ذوي دخل محدود، وهو ما فاقم من الشعور بالأزمة إلى حد كبير. وأشار إلى أن «تسونامي الأسعار» يرتبط بعوامل متعددة منها، ارتفاع أسعار المواد المستوردة في البورصات العالمية، والتقلبات المناخية التي قللت من المنتجات الأساسية مثل السكر والأرز. ورأى أن انخفاض سعر الدولار أدى إلى تراجع قيمة الريال بنسبة 30 في المائة، ورفع فاتورة الاستيراد من الخارج. وانتقد سلوكيات الكثير من المتسوقين لإصرارهم على الشراء فوق الحاجة وخصوصا في المواسم، ما يؤشر إلى ارتفاع الطلب ومن ثم يلجأ التجار إلى رفع السعر. الزيادات وارتفاع التكاليف من جهته، برر رجل الأعمال خالد السالمي الزيادات في الأسعار، وقال إنها موجة عالمية، مشيرا إلى أن الأسعار في مختلف الدول المجاورة باتت متقاربة؛ لأن المسيطر على السوق في الواقع هي الشركات الكبرى التي تتحكم في المعروض السلعي وتوقيت العرض والسعر أيضا. وأضاف أن الكثير من الاتهامات الموجهة إلى التجار ليست حقيقية في الغالب، مشيرا إلى أنه في ظل وجود زيادة في سعر السلعة من المصدر تؤدي الاضطرابات السياسية إلى رفع تكلفة الشحن والتأمين، كما أن أسعار الكهرباء والعمالة والإيجارات من العوامل التي تؤدي إلى رفع الأسعار. وقال من المعروف أن المستهلك النهائي هو الذي يتحمل إجمالي تكاليف السلعة. ونفى أن يكون هناك اتفاقات جماعية بين التجار من أجل رفع الأسعار، مشيرا إلى أن كثرة المنافسين في السوق تؤدي إلى تراجع الأسعار بشكل تلقائي. ولفت إلى أن السوق السعودية شهدت تغيرات هيكلية في السنوات الأخيرة، مع فتح المجال للاستثمار الخارجي ودخول عدد كبير من الشركات العالمية. ودعا الشركات المحلية إلى إعادة النظر في أسعار منتجاتها التي تفوق المستوردة رغم المزايا المتعددة التي حصلت عليها، مؤكدا أن اعتدال الهامش الربحي من شأنه أن يؤدي إلى حضور متميز واقتطاع حصة أكبر من السوق. 20 % من الولائم للنفايات أما الخبير المالي سالم الغامدي فتحدث عن الإسراف في التسوق والولائم، مقدرا حجم الفائض من الولائم والسلع الذي يجري التخلص منه في النفايات يوميا بنحو 20 في المائة، منتقدا في هذا السياق الكثير من العادات الاجتماعية السلبية التي تعزز من الإسراف في الولائم والأفراح حتى لا يتهمنا البعض بالبخل. ودعا الأسر إلى إعداد قائمة أسبوعية بالسلع الواجب شراؤها، خصوصا من المواد الأساسية وتأجيل ما يمكن تأجيله إلى الأسبوع اللاحق، وإلى ضرورة الالتزام بالقائمة مهما كانت المغريات والعمل على الاستفادة من العروض التى تطلقها مختلف الهايبرات، وليس هايبرا واحدا فقط؛ لأن ذلك يوفر في الميزانية بما يتراوح بين 10 و 15 في المائة من التكلفة. وشدد على أهمية الاستفادة من العروض على سلع الصيف في نهاية الموسم وكذلك سلع الشتاء وشراء مستلزمات العيد ورمضان مبكرا لتوفير ما يتراوح بين 15 و 20 في المائة من الميزانية الخاصة بالملابس على وجه الخصوص.