في سيناريو بات يتكرر سنويا، بدأت الأسواق تشهد موجة من الارتفاع غير المبرر في أسعار الخضروات، وصل معها سعر كيلو الطماطم والخيار إلى 6 ريالات والكوسة 8 ريالات والبطاطس والبصل إلى 4 ريالات، يأتي ذلك وسط توقعات بأن يصل السعر مع بداية رمضان إلى 10 ريالات للطماطم والخيار والكوسة إلى 15 ريالا في ظل الإقبال الكبير المتوقع عليها. ولايقتصر ارتفاع الأسعار مع قرب رمضان على ذلك فقط، بل امتد ليشمل على وجه الخصوص ملابس الأطفال القاسم المشترك الواجب شراؤه قبل العيد. ويتراوح الارتفاع بين 15 30 في المائة حسب جودة القطعة ومستوى السوق والإيجارات. وإذا كان التساؤل يظل مشروعا عن المبررات الرئيسة وراء هذا الارتفاع المتواصل للسلع الأساسية، إلا أن الخبراء يؤكدون على إمكانية خفض الأسعار من خلال تنويع قاعدة الخيارات، وإطلاق تكتلات اقتصادية سعودية وخليجية للحصول على أفضل الأسعار أثناء الاستيراد، إضافة إلى الدخول في شراكات استثمارية مع المصدرين للحصول على السلع بأسعار جيدة على غرار «سابك». وفي مقابل هذه المقترحات تتفق غالبية الآراء على أهمية تدخل الدولة في الوقت المناسب لضبط إيقاع الأسعار من أجل الفئات الفقيرة، مشيرين إلى إمكانية أن ينصب هذا الجهد الرسمي من خلال التوسع في إقامة جمعيات تعاونية تبيع السلع بهامش ربحي بسيط. قال البائع عبد الرحيم محمد في أحد الهايبرات الكبرى: إن أسعار الخضروات الأساسية مثل الطماطم والخيار والكوسة والبطاطس والبصل، تبدأ في الارتفاع التدريجي مع بداية شعبان من كل عام، لتصل ذروتها مع بداية رمضان، وتظل الأسعار تواصل الصعود حتى 20 رمضان، وبعدها تبدأ في التراجع التدريجي وخلال هذه الفترة قد يتضاعف السعر ليصل إلى 150 في المائة. وأوضح أن أسعار الطماطم والكوسة وصلت إلى 6 و8 ريالات خلال الأيام الآخيرة، كما ارتفع سعر البصل والبطاطس أيضا بنسبة 20 في المائة على الأقل إلى 4 ريالات في الكيلو ويرافق ذلك قلة في كميات الكوزبرة والشبت الواردة إلى السوق نظرا لزيادة الإقبال عليها. وأوضح أن الأسر كبيرة العدد يمكنها التسوق من الحلقة بأسعار أقل من ذلك، خاصة تلك التي تقيم ولائم كبيرة خلال شهر رمضان. من جهته، قال سعد المالكي: إن الهايبرات الكبرى تبالغ في أسعار الخضروات والفواكه بصورة ملحوظة؛ لتصل أرباحها فيها إلى أكثر من 50 في المائة في حين يصل الربح في المواد الغذائية إلى 20في المائة فقط. وأضاف أنه عند السؤال عن سر هذا الارتفاع تأتي الأجابة بأن هذا الأمر يعود إلى استيراد السلع بالطائرة يوميا، واصفا ذلك المبرر بالساذج والذي لاينطلي على أحد. وأوضح أنه بات يفضل تسوق الخضراوات والفواكه من الحلقة أسبوعيا بأسعار أقل عن السوبر ماركت بكثير، كما يحرص على شراء احتياجاته من ملابس الأطفال مبكرا قبل أي موسم حتى لايشعر بالارتفاع الكبير. وراى أن جزءا كبيرا من مشكلة السوق السعودية يرجع إلى اعتماده على الاستيراد من الخارج وغياب التنسيق بين المستوردين للحصول على أسعار أفضل من خلال الشراء الجماعي للسلع، وذلك على غرار النظام المعمول به بين وزارات الصحة الخليجية. وأوضح أن الشراء الموحد للسلع يؤدى إلى خفض السعر بحوالي 20 30 في المائة. ارتفاع كلفة الإنتاج من جهته، برر المستورد زايد المحمدي بدء موجة الارتفاع المبكرة في أسعار الخضروات إلى عدة أسباب من أبرزها انخفاض الكميات الواردة إلى السوق نتيجة زيادة درجة الحرارة وتلف كميات كبيرة أثناء التسويق وفي المزارع، مشيرا إلى أن الارتفاع لم يقتصر فقط على الخضراوات، بل امتد إلى المشروبات الرمضانية المعروفة مثل الفيمتو 15في المائة والتمور 12 في المائة، حيث وصل سعر الكيلو متوسط الجودة إلى 30 ريالا. وأقر بأن جزءا كبيرا من مشكلة الأسعار يعود إلى أسباب داخلية بالدرجة الأولى، مشيرا إلى أن البعض يستغل أي ارتفاع ولو طفيف لأسباب خارجية، ويعمد إلى رفع سلع السلعة بصورة مبالغ بها، كما يلجأ البعض الآخر إلى حبس السلعة حتى ترتفع ثم يطرحها بالسعر الذي يريده. لكنه طالب في الوقت ذاته بالنظر إلى وجود ارتفاع في تكاليف الإنتاج في الخارج نتيجة الظروف المناخية التي شهدها العالم مؤخرا وقلة المحاصيل. وقال إن أسعار الأرز استقرت تقريبا في السوق السعودية لعدم وجود مخاوف من نقص المحصول حتى العام المقبل على أقل تقدير. وخلص إلى أن إلقاء كل جهة اللوم على الجهة الأخرى في ارتفاع الأسعار أمر غير مبرر، وأن الموضوعية تقتضي دراسة الأسباب المؤدية إلى ذلك في كل سلعة على حدة، ووضع الحلول المناسبة. انخفاض إنتاج القطن واتفق المستورد فهد السالمي مع الرأي السابق في بعض النقاط، وخالفه في مبررات ارتفاع سعر الملابس الجاهرة للأطفال وقال: إن ذلك يرجع إلى انخفاض إنتاج القطن طويل التيلة وعالي الجودة في السنوات الأخيرة، وزيادة تكاليف التشغيل والمواد الخام والعمالة، مشيرا إلى لجوء الكثير من الشركات مؤخرا إلى تجميع إنتاجها في الصين لتجنب التكاليف المرتفعة في بلادها. وقال: إن ملابس الأطفال تشكل أكثر من 50 في المائة من حجم السوق، وتتنوع أذواقها لترضى كافة شرائح المجتمع، مشيرا إلى أن المستورد قد يشترى بسعر رخيص لكنه مطالب بنفقات إضافية عالية توضع على سعر السلعة، من أبرزها كلفة الشحن والتأمين الذي ارتفع مؤخرا و الجمارك والأرضية في الميناء في حالة تأخير الاستلام، إضافة إلى التخزين وأجور النقل. ولفت أيضا إلى ارتفاع الإيجارات بنسبة 100 في المائة مؤخرا، مشيرا إلى أن الظاهرة اللافتة للنظر حاليا هي توجه الكثير من المحلات للبحث عن مساحات أقل حتى يمكنها الوفاء بالايجارات ونفقات الإنارة والديكور والعمالة وخلافه. ورأى أن تنوع السلع في السوق فتح مجال المنافسة وأي تاجر لن يسعده بقاء سلعته بدون تصريف إذا بالغ في السعر، لافتا إلى أن ذلك هو ما يبرر إطلاق تخفيضات أكثر من مرة على الأسعار سنويا. الشراء الموحد من جهته، قال الخبير الاقتصادي الدكتور سعد الغامدي: إن الاستيراد من الخارج وفق الطرق التقليدية المعتادة يؤدى إلى الارتفاع المستمر في فاتورة الاستيراد تبعا لأي تقلبات في السوق، لكن التفاوض الجماعي من خلال تكتلات للمستوردين من شأنه أن يحسن من شروط التفاوض والأسعار التي يتم الحصول عليها، مستغربا إصرار كل مستورد على التفاوض بمفرده. وأضاف بكل تأكيد عند التقدم بعرض شراء لملابس ب 100 مليون ريال، فإن ذلك أفضل من شراء ملابس بمليون ريال. وأشار إلى أهمية تشجيع المستثمرين السعوديين على الدخول في شراكات استثمارية مع الدول الأخرى لإنتاج الأرز والقمح والشعير، وهي السلع التي نعتمد فيها على الخارج بشكل شبه تام؛ لأن ذلك يضمن لنا الحصول على هذه السلع بأسعار جيدة. وقد بدأت هذه السياسات تؤتي ثمارها في دول مثل باكستان وكازاخستان والسودان، ونأمل أن يمتد ذلك إلى مختلف الدول الأخرى في ظل شح المياه الذي تعاني منه المملكة، وضرورة المحافظة عليها. وأشار إلى إن تجربة سابك في الاستثمارات مع شركات شرقية وغربية، ضمن لمنتجاتها النفاذ إلى غالبية أسواق العالم. هيئة لمراقبة الأسواق من جانبه، أكد الدكتور عبد العزيز الداغستاني، أن قضية الأسعار يجب أن تحظى بمتابعة من جانب الدولة عبر تشكيل هيئة عامة لمراقبة الأسواق تكون لها صلاحيات التحقق من معدلات الأسعار ومستوى عدالتها، وعدم الإجحاف بحقوق المستهلكين. وطالب على سبيل المثال بالتحقيق في شكاوى ضد شركات السيارات تتهم الوكلاء بالتلاعب في أسعار قطع الغيار؛ لتحصيل أرباح تصل إلى 400 في المائة، كما ينبغى أيضا التأكد من السعر الحقيقي للسلعة من المصنع وعدم الاعتماد فقط على مايقدمه التاجر من فواتير جرى العرف أن في أغلبها مبالغات لصالح الوكلاء. ورأى أن قضية الأسعار ترتبط ارتباطا وثيقا بالأمن الوطني الاجتماعي، وأن الدولة ينبغي أن تتدخل فيها من أجل الصالح العام، مشيرا إلى أهمية إنشاء جمعيات تعاونية لاستيراد السلع مباشرة من الخارج وبيعها بسعر التكلفة مع هامش ربح بسيط، وذلك لصالح الأسر الفقيرة التي تدعمها وزارة الشؤون الاجتماعية. وأشار إلى إن هذه التجربة يجري العمل بها في دول مجاورة ونجحت إلى حد ما في تقديم البديل لارتفاع الأسعار. المواصفات والمقاييس ورأى الاقتصادي سعيد بن علي البسامي، ضرورة زيادة الاستثمارات الداخلية في القطاع الزراعي؛ للحد من الاستيراد من الخارج، مشيرا إلى أن المستثمرين السعوديين يعانون من صعوبات عديدة في الزراعة والقروض وتسويق المنتج، وأشار إلى وجود منافسة غير عادلة للمنتج السعودي من جانب عشرات المنتجات القادمة من الخارج، مشددا على أهمية تجاوز إشكالية التسويق لضمان وصول المنتج إلى السوق سريعا دون تعرضه للتلف. وقال: إن التوجه للاستثمار في الخارج لاينبغى أن يكون على حساب المستثمر الداخلي الذي يدرك جيدا احتياجات مواطنيه، واصفا قرار إيقاف صرف حوافز لزراعة النخيل بالصائب في ظل استهلاك النخيل كميات مرتفعة من المياه وزيادة الإنتاج منه وعدم الاستفادة منه تصنيعيا بالشكل المأمول. ورأى ضرورة التصدي للعقبات أمام المستثمرين، ومن أبرزها الإجراءات الروتينية المعتادة وطول إجراءات فحص وتخليص البضائع في الموانىء. ودعا إلى أهمية الالتزام بالمواصفات والمقاييس السعودية في مجال الاستيراد من الخارج للحد من الهدر المالي، معربا عن أسفه الشديد لإغراق السوق ببضائع صينية دون المستوى بناء على طلب رجال أعمال سعوديين يبحثون عن الربح فقط، وفقا لتأكيدات الصينيين.