« العيش في مجتمع خال من السكر « هل هي جملة يستحيل تحقيقها على أرض الواقع ؟ إذا كان البعض يعتبرها كذلك ، فعلى الأقل دعونا نسعى لأن « نعيش في مجتمع أقل إصابة بالسكري « ، هذا الحلم يكون أقرب إلى الواقع حين يسانده الدعم المدروس ، وتقويه الجهود المتكاملة ، وتغذيه التوعية الفعالة . « كيف يتحقق ذلك » ؟. ضوء على الواقع مؤشر مخيف أن ترتفع أصوات المختصين بمرض السكري منادية باعتباره وباء ، كونه فعلاً « وصل إلى حد الوباء « ، وفق تصريح استشاري غدد الأطفال د.عبد الله الفارس في مؤتمر كرسي السمنة بجامعة الملك سعود، وذلك بعد أن توقعت إحصائيات الاتحاد العالمي لمرض السكري أن معدل الإصابة ستصل إلى أكثر من 20% من السكان في مملكتنا بحلول 2025 م ، وكذلك بعد أن أثبتت دراسات حديثة أن المملكة تقع ضمن أعلى عشرة معدلات تزايداً في الإصابة بمرض السكري في العالم، وأن 80 % من المصابين بمرض السكري من النوع الثاني يعانون السمنة، وفقاً لما ذكره رئيس وحدة أبحاث مرض السكري والتغذية في جامعة سان مرجريت في فرنسا د. دينس راكا، بل إن تصريح مدير المركزالوطني للسكري د. زهير الغريبي أقرّ بأن المملكة تأتي في المركز الثاني دوليا في عدد المصابين بالسكر. يبدو هذا منطقياً إذا علمنا أن الأرقام الأخيرة المعلنة أكدت أن « 25% من سكان المملكة يعانون من مرض السكري»، وفق ما ذكره استشاري الغدد الصماء د.عبد الرحمن المغامسي، وأن نسبة الإصابة بالسكري – من النوع الأول - بين الأطفال السعوديين تشكل 4 % من نسبة مرضى السكري بالمملكة ، وفق ما قاله د.عبد المعين عيد الآغا استشاري طب الأطفال، كما أن نسبة السمنة لدى أطفال المدارس ارتفعت إلى 35.5 % ، وفقاً للدراسة التي قام بها د. النزهة، علماً أن من مسببات السمنة في السعودية ماهو خارج عن نطاق السيطرة كالعوامل الوراثية والجينات بنسبة 5 %، وفقاً لما ذكره استشاري الوراثة الطبية د.خالد الحربي. جهود وآمال هذه المؤشرات الخطيرة استنفرت كل الجهات لمجابهة مرض السكري» وقاية وعلاجاً « ، وتعتبر وزارة الصحة هي الجهة التي تشرّع لمكافحته، وهناك جهات أخرى مستقلة بتشريعاتها وخططها تشاركها في جهودها ضد المرض، كالمؤسسات الطبية التابعة للقطاعات العسكرية، وبعض الجامعات، وبعض المستشفيات التخصصية. والسؤال المطروح هو:هل هناك تنسيق بين جهود هذه الجهات ؟ وهل خدماتها موزعة بالعدل بين مناطق المملكة ؟. اقترح استشاري الأطفال والغدد الصماء د. موسى الزهراني دمج لجان الوزارة مع بعضها لتنظيم عملها، وذكرت توصية أحد مؤتمرات السكري توحيد الجهود بإنشاء مجلس وطني أعلي لمكافحة السكري يضم الأكفاء. ويرى د. زهير الغريبي أننا نحتاج إلى تنسيق أكبر بين عمل الجهات الحالية ، وأوضح « يا حبذا لو نتيح المجال أكثر لاستخدام التكنولوجيا في وضع قاعدة معلومات تسهل عملية تبادل المعلومات بينها «. مؤكداً أن وزارة الصحة راعت أن يكون هناك عدلاً بين توزيع خدماتها بالمناطق ، ولكن أحياناً يكون هناك نقص في فريق العمل الطبي المؤهل لتغطيتها، ولتجاوزهذا النقص يقترح الإسراع في وتيرة التعليم والتوظيف نحو التخصصات الصحية والطبية . اقتصاديات السكري والسؤال .. هل يكفي الدعم المالي الموجه للجهات المكافحة للسكري ومسبباته ؟ وأيهما أكثر تكلفة الوقاية أم العلاج؟. يرى أخصائي التغذية والتثقيف السكري عبد الودود محمد الشنقيطي بأن الدعم المالي في مجال التوعية بالمرض شبه معدوم، ونحتاج دعم تدريب الكوادر الصحية. كما صرح رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية الخيرية للسكر والغدد الصماء بالمنطقة الشرقية د.عبد العزيز التركي بأن « التبرعات المقدمة إلى الجمعية منخفضة « . في المقابل ، يعتبر د. زهير الغريبي أن الدعم المالي الحكومي المخصص لمكافحة وعلاج المرض بالمملكة « كاف لكنه يحتاج إلى إعادة توزيع «. كون معظم الدعم يذهب لمعالجة المرض بعد وقوعه بدلاً من الوقاية والتثقيف لمنع وقوعه. ولهذا دعا د. الغريبي إلى الكشف المبكر للمرض، كوقاية، ومن ثم التوعية والتثقيف، واقترح أن يكون لدينا فحص مجاني ودوري للكشف المبكر لمن هم فوق 30 سنة. موضحاً أن هذا الاقتراح قد يرى البعض انه يكلفنا مبالغ طائلة وهذا صحيح لكنها – على المدى البعيد - المبالغ ستكون اقل في حال الإصابة به، لأن الوقاية دائما ارخص من العلاج. يأتي اقتراحه هذا في ظل إحصائيات حديثة كشفت أن علاج السكري ومضاعفاته يكلف المملكة 11 مليارريال سنويا ، وفقا لما ذكره مدير عام الشؤون الصحية بالمنطقة الشرقية د. طارق السالم ، وأن في المملكة 20 ألف حالة وفاة سنوياً تحدث من السمنة ومضاعفاتها ، وتصل كلفة علاج السمنة والأمراض المصاحبة لها إلى 19 بليون ريال في العام الواحد، وفقاً لتصريح د. عائض القحطاني ، موضحاً وجود أكثر من 47 مرضاً يلازم السمنة كالسرطان وهشاشة العظام وتصلب الشرايين. ما المطلوب إذاً.. إن معالجة مشكلة مرض السكري في المملكة تبدأ بالوقاية من مسبباته، والسمنة المنتشرة لدينا هي أكبرها، نذكرهنا مفارقة « سوداء « كتبها مشاري الدخيل المشرف العام على الإدارة العامة للتغذية بوزارة الصحة تتضمن « أن منظمة الأغذية والزراعة الفاو وضعت شعار» معاً لمكافحة الجوع « للاحتفال بيوم الأغذية العالمي لإنقاذ مليارجائع بالعالم ، ونحن هنا نريد مكافحة السمنة المنتشرة مما يتطلب منا وضع شعار مقترح « معا لمكافحة السمنة «! وسبب هذه السمنة ، يقول د. الزهراني ، هو نمط الحياة الحديث الذي يميل إلى قلة الحركة والتكاسل التي فرضتها رفاهية المجتمع ، وكذلك التدخين وسلوكيات الغذاء الخاطىء والإقبال على مأكولات الوجبات السريعة، حيث أثبتت إحصائية أعدتها منظمة الخليج للاستشارات الصناعية أن السعودية أكبر الدول الخليجية استهلاكا للمأكولات السريعة ؛ فهي تستهلك 75% من إجمالي حجم سوق استهلاك الوجبات السريعة !. بعض الجهود في المملكة توجهت إلى التحدث عن مرض السكري بنظرة تفاؤلية ، فنفذت حملات تثقيفية تحت شعارات مختلفة « قصتي مع السكري «، « لست وحدك «، « السكري صديقي «. وهذه النظرة جيدة ومطلوبة، ولكن نحتاج لإكمال الرؤية ، سيّما وأن 80% من مرضى السكري في المملكة كانت لديهم القدرة على الحماية من المرض، وفقاً لما ذكره استشاري أمراض الغدد الصماء والسكر د. بسام عباس ، لذا لابد من رسم خطة وطنية تركز على التوعية والتثقيف كوقاية ، والعمل على إيجاد بيئة صحية في المجتمع مساعدة على بناء جيل خال من السكري، سيّما وأن الشباب في المملكة يمثلون نسبة 30% من تعداد سكان المملكة الأخير، وهم من المرحلة العمرية 15-29 سنة، ذكوراً وإناثا، وفق ماقاله الأمين العام للمركز الوطني لأبحاث الشباب في جامعة الملك سعود د. نزارحسين الصالح .. فما هي المقترحات ؟ نحو بيئة صحية الحصول على بيئة صحية في مجتمعنا يتحقق عندما يتم التغيروالتحول وفق عدة محاورمترابطة ، أهمها أن نغيّر سلوكيات الغذاء الخاطىء ، وسلوكيات غذاء الأطفال خاصة ليصبح نمط حياة مستقبلي لهم، وأن نفعّل الإستراتيجية العالمية للنظام الغذائي والنشاط البدني والصحة. لقد كتب مشاري الدخيل أننا نحتاج إلى تقنين كمية ونوعية الغذاء المتناول وفقا لمعايير تغذوية معروفة عالميا، ونشرالتثقيف التغذوي، حتى في المناهج المدرسية، ويقترح د.الزهراني وضع ضريبة على المطاعم التي لا تتبع النظم الصحية ومنع إعلاناتها مع توفيرالأكل الصحي. ويضيف الشنقيطي ضرورة معاقبة هذه المطاعم بجعلها تنظم برامج توعوية على حسابها الخاص، مع التوعية بمضار التدخين، ومعاقبة كل من يبيعه للأطفال، وإنشاء مراكزمجانية تعالج السمنة. وضرورة أن تتعاون المدرسة والأسرة في تحقيق ذات الهدف، وتكثيف التوعية باستخدام وسائل فنية متطورة مقنعة لتغييرالسلوكيات الخاطئة مع التركيزعلى تثقيف الأمهات لمالهن من دور فاعل في توجيه الأسرة . مجتمع نشيط يترافق هذا أيضاً مع التغيروالتحول إلى الحياة المفعمة بالحركة والنشاط، فالوضع الحالي يقربأن مستوى النشاط البدني عند الذكور منخفض إلى جيد، وهو لدى الفتيات منخفض جدا، وفقاً لتصريح ذكره رئيس مختبرالنشاط البدني بجامعة الملك سعود د.هزاع الهزاع ، مما يستوجب تفعيل حصص الرياضة في المدارس ، مع فسح المجال للبنات لعمل حصص رياضية في مدارسهن ، وتأمين صالات رياضية في المدارس والأحياء السكنية ، وتشجيع استخدام الأجهزة الرياضية داخل البيوت، وبالإمكان الاستفادة من المدارس ليلا كمراكز أحياء يلتحق بها الطلاب للتمتع ببرامج ترفيه حركية بدلاً من الألعاب الالكترونية . ومن الأهمية توجه أمانات المدن لإيجاد ممرات للمشي أو لركوب الدراجات الهوائية في مخططاتها وزيادة رقعة الحدائق والملاعب داخل الأحياء السكنية، مع إمكانية إضافة مسابح فيها، على أن يراعى التصميم مناسبته للجنسين. مع ضرورة إيجاد بدائل وأفكار هندسية إبداعية تساهم في خلق بيئة صحية حضارية، هذا ما قاله لنا د. المهندس عماد الشبلاق استشاري أمراض التكاليف والهندسة القيمية، وطرح إمكانية تبني منهجية الهندسة القيمية، التي تطرح البدائل المناسبة للبيئة وبتكلفة متوازنة مع الأداء والجودة . في محور آخر أوصت أحد مؤتمرات السكر بالدعم الكامل لمراكز الرعاية الصحية الأولية وأنشطتها الوقائية والمعززة للصحة، مع التركيز على الاستثمار في بحوث النظم الصحية. مقترح خاص تقترح « الرياض» أن يتم الإعداد لتنفيذ « ماراثون « ، للجري أو للمشي السريع ، يكرر كل 3 أشهرلكل الأعماربترتيب منظم، ويتوقع أن أفراد المجتمع سيبذلون المزيد من الجهد بالتدريب وتنظيم الغذاء طمعاً بالفوز، سيّما إذا كانت الجوائز قيّمة « شقة ، سيارة ، أرض « ، بتمويل خاص – وبالتعاون - من البنوك والشركات الخاصة ضمن إطار مسؤوليتهم الاجتماعية .. لم لا ؟ .