كان لابد في البداية أن نتساءل عن مدى التوعية الصحية المقدمة للأطفال السعوديين المصابين بالسكري والبالغة نسبتهم 4٪ من مجموع الأطفال"وفق ما قاله الدكتور عبد المعين عيد الآغا استشاري طب الأطفال وأستاذ مساعد بكلية الطب بجامعة الملك عبد العزيز ضمن ملتقى لأطباء الأطفال بمستشفيات جدة في منتصف يونيو الحالي"، وكانت قد سبقتها نتائج دراسة أجراها د.عبدالله الحربش ومساعديه على شريحة كبيرة من المجتمع السعودي للنوع الأول من السكر من أعمار الولادة وحتى أعمار 19 سنة، توصل فيها إلى أن انتشار المرض بينهم كان بنسبة 109 لكل 100ألف. هذه النسب، ولاشك تدق أجراس الخطر في المجتمع السعودي وتدعو إلى الإسراع ما أمكن بتخطيط وتنفيذ استراتيجيات توعوية مناسبة تساهم في ترويج الصحة وتغيير السلوكيات الخاطئة كوقاية، مع تفعيل دورها في مرحلتي الإصابة والعلاج، سيّما وأن إحصائيات أخرى معلنة تؤكد أن عدد المصابين في المملكة بين الفئة العمرية من 20 - 74 عاماً يبلغ 28 %، وأن 50% منهم لا يلتزمون بالعلاج، أو لا يواصلونه، مما يؤكد أيضاً حاجتهم للتوعية في مرحلة ما بعد الإصابة ( وفق ما أعلنه الدكتور جعفر القلاف منسق الأنشطة العلمية في جمعية مرضى السكر خلال المؤتمر الثاني عن المستجدات في مرض السكر 2009" ، والذي توقع فيه الدكتور عبد العزيز الملحم أن يرتفع عدد المصابين بالسكر في المملكة إلى نحو 40 % )، علماً أن الدكتور بسام صالح بن عباس استشاري أمراض الغدد الصماء والسكر في تخصصي الرياض سبق وأكد أن 80% من مرضى السكري في المملكة كانت لديهم القدرة على الحماية من المرض ، وهذا يؤكد أهمية التوعية الصحية كوقاية من الإصابة بالأمراض، ومنها مرض السكري. وقد أكد هذا الملتقى ذاته حيث تبين أن " السمنة في الأطفال ساهمت بوجود النوع الثاني، غير المعتمد على الأنسولين، والذي وصل إلى 90% في المملكة، مع أنه عادة يُصاب به من تجاوز ال 30 عاماً "!. ربما يبدو هذا نتيجة حتمية في ظل وجود إحصائية " أعدتها منظمة الخليج للاستشارات الصناعية " تؤكد أن السعودية أكبر الدول الخليجية استهلاكا للمأكولات السريعة ؛ حيث تستهلك قرابة 75% من إجمالي حجم سوق استهلاك الوجبات السريعة!. التوعية كوقاية تأتي أهمية التوعية الصحية الموجهة للأطفال، والمشتملة على ترويج ثقافة الغذاء الصحي وأسلوب الحياة النشط وتغيير السلوكيات الغذائية والحياتية الخاطئة ، ابتداءً " كوقاية " في مواجهة بعض مسببات الأمراض، وعلى رأسها السمنة وزيادة الوزن التي ارتفعت نسبها في المجتمع السعودي في الآونة الأخيرة " وتعني زيادة وزن الإنسان أكثر من 30% من الوزن الطبيعى "، مما جعلها عاملاً من العوامل الخطرة التي لها علاقة مباشرة بمعظم الأمراض المزمنة، ومنها مرض السكري. وقد كشف الدكتور عايض القحطاني المشرف على كرسي أبحاث وعلاج السمنة ، أن نسبة السمنة وزيادة الوزن قد وصلت في المملكة إلى حوالي 60% لدى الشباب والأطفال، كما أوضح الدكتور إبراهيم علوان استشاري طب الأطفال والغدد الصماء بوجود عدد من الدراسات أثبتت وجود مشكلة السمنة في الكثير من المدن الكبرى في المملكة ،وبشكل خاص عند النساء والأطفال دون سن المدرسة من يعيشون في المدن الكبرى، وتكثر في المنطقة الشرقية أكثر من باقي المناطق. وأكد الدكتور خالد الحربي استشاري الوراثة الطبية رئيس قسم علوم المختبرات الإكلينيكية عضو كرسي أبحاث السمنة في جامعة الملك سعود، أن نسبة السمنة ارتفعت إلى 35.5 % من خلال الدراسة التي قام بها د. النزهة في قياس السمنة لدى أطفال المدارس. وذكر الدكتور طارق أمين أستاذ كلية الطب في جامعة الملك فيصل في الإحساء حول نسبة انتشار زيادة الوزن والسمنة بين الأطفال في المملكة دون 18 سنة، أن النتائج أظهرت نسبة زيادة الوزن عند البنين 10.8%، ونسبة السمنة تصل إلى 12.7%. من هنا يأتي إرجاع أسباب إصابة أطفالنا بالأمراض، ومنها السكري إلى قلة التوعية ورسوخ ثقافة العادات الغذائية الخاطئة ، ناهيك عن قلة الحركة ، والعزوف عن الاهتمام بالرياضة ، مع الجلوس لفترات طويلة أمام الأجهزة الالكترونية. لكن في المقابل من المهم الإشارة إلى أن السمنة في السعودية يقف وراءها عوامل خارجة عن نطاق السلوكيات الخاطئة، وعلى رأسها الجينات. وذكر الدكتور خالد الحربي مؤخراً في محاضرة له عن الجينات والبدانة في السعودية أن جينات «ميلنوكوراتين» تؤثر على السمنة بنسبة 5 % بسبب الطفرة الجينية. وأوضح د. موسى الزهراني استشاري الأطفال والغدد الصماء بمجمع الملك سعود الطبي أن العوامل الوراثية تشكل سبباً مهماً في جعل المريض عرضة للإصابة بمرض السكري في ظل توافر بيئات وضغوط محيطة معينة وبما يتبعها من التغيرات النفسية، والتي جميعها تدعم تكون تغير بسيط في الجهاز المناعي والذي بدوره يكون أجسام مضادة لخلايا ( بيتا ) التي تفرز هرمون الأنسولين، حيث إنه عند تلف هذه الخلايا والوصول إلى 20% أو أقل من العمل المعتاد لهذه الخلايا يظهر السكر بشكل واضح. ورجح د. الموسى صحة أن تكون نسبة إصابة الأطفال السعوديون بالنوع الأول من السكري تشكل 4 % من نسبة مرضى السكري بالمملكة " وليس من نسبة أطفال المملكة كما قد يُفهم من تصريح د. الآغا السابق " ، مبيناً أن الحديث عن أطفال السكري يعني الحديث عن فئة أعمار تبدأ من الولادة وحتى بداية سن البلوغ أو سن الثانية عشرة تقريبا وهم المصابون بالنوع الأول من السكري غالبا، والذين يحتاجون هرمون الأنسولين، وهناك فئة أخرى في هذا السن قليلة ولكنها بدأت تزداد مع الوقت وهى مصابة بالنوع الثاني من السكر والذي لا يعتمد على هرمون الأنسولين بل يحتاج إلى الحمية المناسبة وتخسيس الوزن وتناول عقار بالفم. دور التوعية بعد الإصابة توعية الطفل صحياً لا تقتصر على الوقاية، وإنما يحتاجها بشكل مكثف أيضاً بعد إصابته بالمرض، فعلاج مرضى السكري – مثلاً - يعتمد على عدة محاور منها من " الناحية النفسية ، ناحية التغذية ، العلاج بالعقاقير، ثم علاج الآثار الجانبية للسكري". ويوضح ذلك الدكتور موسى الزهراني، مبيناً ضرورة تثقيف المصاب بأن العلاجات المتوفرة من العقاقير للنوع الأول من السكر تتم عن طريق إعطاء هرمون الأنسولين، حيث يعطى عن طريق الإبر وتحت الجلد ، يعطى غالبا جرعتين باليوم، أو يكون علاج مكثف بالأنسولين يصل أربع جرعات باليوم ، إلا أن هناك طرق أفضل للتحكم بالسكر لبعض المرضى المختارين وهى عن طريق مضخة الأنسولين. بينما يشير د. الزهراني إلى نقطة يجدر بالمصاب معرفتها أيضاً وهي أن العلاج يتطلب التعاون الكامل بين الأسرة والمستشفى للوصول إلى مستويات ومعدلات معينة للسكر لتلافي الآثار الجانبية الناتجة عن الارتفاع بمستوى السكر، سيّما وأن السكري لدى الأطفال مثله عند الكبار، يحتاج إلى نظام غذائي خاص، ولكن لابد أن يؤخذ بعين الاعتبار سن النمو عند الأطفال والذي يحتاج على دعم غذائي يوازن بين هذا النمو وبين التحكم بمعدل السكر بواسطة الحمية الغذائية، فالغذاء اليومي للطفل يجب أن يحقق النسب الآتية وهى 55% مواد نشوية شبه خالية من السكاكر الأحادية والثنائية و30% دهون نباتية وقليل جدا من الدهون الحيوانية و 15% بروتين. أما بالنسبة للوجبات فهناك الثلاث وجبات الأساسية بالإضافة إلى ثلاث وجبات بينية ، وتقسم السعرات الحرارية وفق (20% وجبة إفطار ، 20% وجبة غداء و 30% وجبة عشاء، بالإضافة إلى 10% لكل وجبة بينية - بين الوجبات الأساسية - وقبل النوم من الوجبات الثلاث المذكورة )، وربما يحصل هناك بعض التغيرات في النسب المذكورة حسب مستوى السكر ووزن المريض وممارسته للرياضة. التأهيل والتعايش * ما الذي علينا فعله عملياً لتوعية الطفل بعد إصابته ومساعدته على تقبّل مرضه نفسياً والتعايش معه لمواجهة الضغوطات المصاحبة للإصابة بالمرض؟. تؤكد الأخصائية امتثال محمد دوم الأخصائية النفسية بمركز السكري والغدد الصم بمكة المكرمة ، على أهمية استمرارية التوعية والتثقيف في هذه المرحلة ، فمن المهم أن يتم توعية وتعريف الطفل المصاب وأهله بالضغوطات التي سيواجهونها فور تأكيد الإصابة بالمرض. وفي حالة مريض السكري، توضح امتثال، يحتاج الطفل إلى حسن تعامل منذ بدء شعوره بالصدمة التي تصيبه عقب خبر الإصابة بالمرض، فعقب الصدمة إما أن يكون هناك تقبل للمرض ومداومة للعلاج ، حيث يتعايش المصاب وأهله مع المرض مثل أي نوع من أنواع الإعاقة بدون ظهور أي أمراض أو أعراض نفسية، وإما أن يكون هناك عدم تقبل للمرض مع رفض للعلاج منذ اللحظة الأولى أو بعد ذلك بفترة، فلابد من التعامل مع الأطفال المصابين بداء السكري بطريقة مميزة ومحببة وداعمة تشعرهم بأنه يمكنهم التعايش مع مرض السكري وأنهم أطفال عاديون غير مؤذين ولكي يتم ذلك لابد من أن يهيئ الأطفال المصابين بداء السكري من قبل الوالدين والمحيطين بهم وذلك من خلال إشعار الطفل بأن ما أصابه أمر عادي يصاب به الكثيرون، وأنه ليس الوحيد المصاب به، وأن المرض ليس خطيراً جداً، كذلك عدم المبالغة في الحرص على الطفل، مع عدم الاستجابة لكل مطالبه حتى لا يستخدم المرض كعامل ضغط لتنفيذ طلباته. وتنصح بإظهار الدعم والتعاطف معه وإثابته عند القيام بأي عمل في سبيل المحافظة على معدل السكري في وضع معتدل، وعدم ذكر مضاعفات المرض أمامه حتى لا تزداد درجة القلق. هذا مع تهيئة الجو الأسري المناسب وتوعية أفراد الأسرة بالمرض وطريقة معاملة الطفل المصاب وتفهم احتياجاته، وكذلك محاولة إحضار نماذج حية لشخصيات مصابة بالسكري وتمكنت من التعايش معه، ومشاركته في المناسبات التوعوية المختلفة التي تتحدث عن السكري. العلاج الذاتي * هل يمكن تثقيف وتدريب الطفل على أخذ علاجه بنفسه، وما نسبة الخطأ بسوء استخدام هذا العلاج – في حالة مريض السكري - ؟. يحذر د. موسى الزهراني من تدريب الطفل على أخذ علاجه بنفسه قبل سن العاشرة لأن هذا ربما يعرضه للخطأ والخطر، فنظرا لحدوث السكر لدى الأطفال في أعمار مختلفة ابتداءً من الشهر الأول بعد الولادة وهو نادراً وما بعد ذلك من الأعمار ، ونظراً لأن النوع الأول من السكر هو الأكثر شيوعا لدى الأطفال حيث يتم علاجهم بواسطة هرمون الأنسولين، وقد يقوم الأطباء وأخصائيو تثقيف السكري بتدريب الأطفال المصابين والذين لديهم الحماس لذلك في أوقات زيارة المريض للعيادة على أن يتبع ذلك ملاحظة شديدة من قبل الأبوين أو من يقوم بالإشراف على إعطاء العلاج. أما نسبة الخطر بسوء استخدامه فإنه يعتمد على عدة عوامل منها " سن المريض، نضوجه الفكري ، وحماسه " بالإضافة إلى الاستقرار العائلي، ومدى المتابعة من قبل العائلة. ولكن نستطيع أن نقول إنه في توفر العوامل الإيجابية السابقة فإن الخطر يقل مع زيادة عمر المريض عدا فترة سن المراهقة فهي تعتبر فترة تغير في البناء الجسمي والعقلي والفسيولوجي والنفسي ، لذا يعرض بعض المراهقين أنفسهم للخطر إما بزيادة الجرعة أو تقليلها أو عدم أخذها وغالباً ما يدعم ذلك بعض الظروف النفسية المحيطة بالمراهق. جمعية خاصة * هل نحتاج لإنشاء جمعية خاصة بأطفال مرض السكري تعالجه وتثقفه؟. يؤيد د. موسى الزهراني بشدة وجود جمعية خاصة بهؤلاء المرضى من الأطفال بالمملكة، حيث يوجد حالياً - فقط - جمعية طب الأطفال ، والتي يندرج تحت ظلها الغدد الصماء لدى الأطفال ، ونشاطها ضئيل جدا، ونظرا لوجود أعداد متزايدة من مرضى سكري الأطفال، والذي يعتبر أحد الأمراض المزمنة والتي يجب أن تعالج بأقصى الإمكانيات المتاحة لدينا، لذا يؤيد إنشاء مثل هذه الجمعية تنميةً للفكر والبحث العلمي في مجال السكري والعمل على تطويره وتنشيطه، بالإضافة إلى كون ذلك يرفع من الأداء المهني للعاملين في هذا المجال بما يخدم مصلحة مرضى السكري.