منذ أحداث 11 سبتمبر المشئومة ونحن نعاني من تبعاتها ومن ويلاتها سياسياً واقتصادياً ودينياً وفكرياً. بسببها حوصر المسلمون في كل مكان ووجهت الاتهامات لأدنى الأسباب، غزيت دول واستعمرت أخرى، وامتصت مدخرات بلدان وشعوب ومولت حروب وأقصيت حكومات وتشكلت ولاءات جديدة ونشأت أفكار وتوجهات. هنا في بلدنا الحبيب، بلد العطاء والخير الذي كان يوماً من الأيام يحتل المرتبة الأولى في دعم الشعوب والأقليات المسلمة في كل مكان، شهدنا تراجعاً خطيراً وكبيراً في مد يد العون للمحتاجين في بلدان العالم تحت ذريعة محاربة الإرهاب ووقف تمويله. وبعيداً عن الشواذ فكرياً ودينياً أجزم بأن معظم السعوديين بعيدين كل البعد عن مثل هذه الاتهامات والشكوك، ولأن أبنائنا كانوا هم منفذو هجمات الحادي عشر من سبتمبر وغيرها من الأعمال التخريبية كان لزاماً علينا تحمل اللوم والتبعات لهذه التصرفات. من أبرز إفرازات هذه الحقبة هو التراجع الدعوي الديني داخلياً والظهور العلني القوي لليبراليين والعلمانيين ومن في ركبهم . اختفت المحاضرات الدينية إلا ما شاء الله وأصبح إقامة محاضرة يتطلب الكثير من الإجراءات والضوابط , لم نعد نرى الكثير من طلبة العلم في الإعلام الرسمي وقنواته وأصبحت وجوه معدودة - نحترمها ونجلها- تظهر صباحاً ومساءً وفي المقابل فتح الباب على مصراعيه خاصة في الصحف والقنوات الفضائية لليبراليين والعلمانيين وأصبح النيل من علماء الدين ومن بعض ما جاءت به شريعتنا أمر شبه يومي، حتى أصبح الروائي مصدر للفتوى والصحفي واعظ ديني والفنان قدوة صالحة . ومن إفرازاتها محاصرة الجمعيات الخيرية ورموزها داخلياً وخارجياً حتى أصبح جمع ودفع التبرعات جريمة عظمى، وحصرت التبرعات في مشاريع وأوجه محدودة, وفي المقابل نرى الدول الغربية التي تطالب البلدان الإسلامية بكبح نشاطها الخيري، نراها لم تقم بمثل ماقمنا به، بل أخضعت المتبرعين والجمعيات للمراقبة والتتبع ولم تمنعهم من إيصال المساعدات للغير. لقد شهدت قارتي آسيا وأفريقيا تنصيراً لم تشهده حتى في عصور الاستعمار، في ضل غياب تام من الجمعيات والمنظمات الإسلامية وهو غياب سمح للتمدد الشيعي بمد نفوذه حتى وصل إلى قرى وبلدات افريقية وآسيوية تئن تحت الفقر وويلات الجهل والحروب والتشرد. نحن بحاجة لمراجعة شاملة تعيد لنا شيئاً مما فقدناه وبحاجة لمراقبة وتنظيم جيد يكبح جماح كل صاحب اتجاه مشين وفي نفس الوقت لا يقطع جسر الخيرات وحبل الوصل الإنساني مع المستحقين من إخواننا المسلمين في شتى أرجاء المعمورة