سقى الله زمن أول .. ذاك الزمن الجميل , زمن الطيبة والبراءة والقلوب البيضاء النقية والصافية , وزمن النفوس والنية الطيبة والتي لم تعرف سوى الحب والإخلاص والوفاء , وزمن الرجولة والنخوة والشهامة والأصالة والجود والكرم , زمن قد كانت الحياة فيه بسيطة وهادئة , زمن قد غمر بالقناعة وبالرضا والنعيم , زمن قد عاشه الجميع , الكبير والصغير والقوي والضعيف وأيضا الغني والفقير معا , وفي كل شي قد كان على الحلوة والمرة , وعلى القرب لا البعد , وعلى الألفة والمحبة والإخاء والصفاء , وعلى الوصل والتواصل والوقوف مع بعضهم البعض ... الخ , زمن قد كانت فيه الطقوس القديمة والمتنوعة تحيى من دون أي منع لها أو حتى توقف , وخاصة بتلك التي قد كانت تحمل للجميع بل وتبعث لهم بأهازيج الفرح والسعادة وبالبهجة والسرور لتقام لها وفي كل مكان , وأيضا في أي وقت ومتى قد شاءوا لها أو أرادوا , زمن قد كانت فيه التربية الصحيحة قائمة على أساس وفكر ومنهج واحد وعلى علم كنا نتعلمه ونتبعه بحبنا له أولا , ثم برغبة وإقناع منا كثانيا , وذلك بأداء الشريعة الإسلامية وتطبيقها من دون أي تشدد أو تخويف أو حتى إجبار لها , كما أن عناصرها قد كانت سهلة وواضحة وواجبة تنفيذها برضا الله أولا ثم برضا الوالدين , وباحترام الكبير والعطف على الصغير , وبالإحسان إلى المسكين والتصدق على الفقير ... الخ , وكذلك بتكريس الهيبة والعظمة والمكانة للمعلم , وكونه قد كان آنذاك المعلم الأول والمربي الفاضل قبل الوالدين , وكذلك بغرس الخوف بعد الله والهيبة لرجل الأمن وكونه بل ومازال كذلك والى اليوم الرجل المهم في حياتنا من أجل فرض الأمن والقضاء على كل مجرم أو على كل من تسول له نفسه في ارتكاب الخطأ أو الجريمة بشكل عام , زمن قد كنا نحافظ فيه على أفكارنا الصحيحة والبسيطة والعفوية وبتكريسها وتوجيهها إلى حب وعمل الخير , وبالابتعاد عن ما هو مثير أو مشبوه أو باطل , أو قد يؤدي إلى المحرمات أو إلى الفتن كل ما ظهر منها وما بطن ... الخ , وكل هذا فلم يكن إلا ومن خلال التربية الصحيحة والتي قد كانت هي الأساس في زمننا الماضي , وكونها قد كانت أيضا الناتجة والمحصلة عن أفكارنا وأخلاقنا وعن سلوكنا وطبعنا وعن كل شي قد كان يشكل وبالنسبة لنا الفكر السليم والصحيح والحياة السعيدة والجميلة والبسيطة والتي قد أصبحت اليوم شبه موجودة أو بالأصح فهي مفقودة أو معدومة وليس لها أي ذكر أو معنى وخاصة في زمننا هذا , ولأنها قد عكست تماما عن زمننا الماضي أو ذاك الزمن الجميل , فكلها قد افتقدناها اليوم بل وعكست لنا تماما عن كل ما أصبحنا نعرفه أو نعيشه اليوم , وكواقع قد فرض علينا فرضا وإجبارا , بل و أصبحنا نعيشه ونتعايشه وأيضا لأن نتقبله كغصب عنا , وعلى كل ما يجنيه لنا سواء أكان بحلوه القليل أو بمره الكثير , وهذا ما جعلنا اليوم لأن نتمنى ونحلم بذاك الزمن الجميل ليدور ويعود لنا أو لنعود له ولو فترة كي نعدل أو نصحح من وضعنا الحالي , إلا أن هذا لم ولن يتحقق أبدا وكونه قد كان مجرد تمني أو حلم , ليكون البديل عنه أو الاكتفاء فقط بأن نردد ونقول ب : سقى الله زمن أول ( زمن الطيبين ) . سامي أبودش كاتب مقالات