المهرجانات الوطنية،الارتباط والإستمرارية إقامة المهرجانات وتنظيمها ظاهرة عالمية موغلة في القدم، منافعها كثيرة، ومدلولاتها عميقة. ولكل شعب على وجه هذه الدنيا خصوصياته التي تحدد مسار وأطر كل مهرجان . لدينا في المملكة العشرات من المهرجانات السنوية معظمها محلي وثلاثة منها تجاوزت الحدود المحلية وأصبحت الأكبر حضوراً والأكثر كلفة، والأشهر سمعة وهي : مهرجا الجنادرية للتراث والثقافة ومهرجان أم رقيبة وسوق عكاظ. ومع الاحترام لكل الآراء حول هذه المهرجانات بين مؤيد ومعارض ، ومع ما يصاحبها من تجاوزات قد تغير نظرة العامة إليها ، فإننا بحاجة ماسة إلى النظر في تطويرها والعناية بها ،لا المطالبة بإلغائها، بل نتطلع لتكون ذات شهرة عالمية فريدة، فهذه المهرجانات الثلاث تتمتع بخصائص جغرافية وتراثية لا مثيل لها على مستوى العالم. يقودنا التساؤل الرئيسي عن مدى استمراريتها مستقبلاً وعن كيفية تمويلها وعن الاحترافية في تنظيمها. فمهرجان الجنادرية هو الأقدم والأضخم وحضي برعاية من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز منذ بداية انطلاقته قبل ثلاثين عاماً، ولأسباب مالية وتنظيمية أسندت مهامه إلى الحرس الوطني، فكانت للمرحوم عبدالعزيز التويجري بصمات واضحة على المهرجان تبلورت في نوعية المدعوين من الأدباء العرب وفي الندوات الثقافية المصاحبة، فاكتسب المهرجان سمعة خارجية حسنة. إلا أن الجنادرية في السنوات الأخيرة خرجت عن مسار التراث الوطني والثقافة ، واختزل هذا المعنى الكبير في عدد من الألعاب الشعبة التي هي بدورها لم تؤدى كما ينبغي ، وفي أكلات شعبية صنعت بأيدي أجنبية. لا أعلم عن مدى ارتباط تراثنا السعودي بالبطاطس الفرنسية أو بالذرة الأمريكية، وماهي علاقة ثقافتنا بالسيارات اليابانية الجديدة أو حتى بمؤسسة السكك الحديدية، وماهو الدافع التراثي أو الثقافي الوجود جناح لإدارة المساحة العسكرية أو لإدارة مكافحة المخدرات، وقس على ذلك ببقية الإدارات الحكومية المشاركة. أما مهرجان أم رقيبة لمزايين الإبل على جائزة الموحد، فقد انشأ واستمر بمتابعة خاصة من الأمير مشعل بن عبدالعزيز ، ويعد نقلة نوعية لملاك الإبل وعشاقها، وحافزاً مهماً للعناية بأكثر الحيوانات التصاقاً بإنسان الجزيرة . هذا المهرجان يموَّل تمويلاً خاصاً من الأمير مشعل ويشرف عليه بمساعدة عدد من أبنائه ، يحضى المهرجان بعشرات الآلاف من الزوار من المملكة والخليج ، ويؤخذ عليه المبالغة في الأسعار والإسراف في النعم والنزعة القبلية التي ذكتها بعض القنوات الفضائية. سوق عكاظ يقف على خلفية تاريخية مرموقة ، هذا المهرجان لم تتبلور نهائياً اتجاهاته لدى العامة، ولايزال الحكم عليه مبكراً ، إلا انه خطى خطوات جبارة فمن يقف خلفه ليس بشخصية اعتيادية ، بل أمير شاعر فنان يعد من أكفأ الإداريين في المملكة. يقودنا هذا الطرح إلى التساؤل عن مدى استمراريتها مستقبلاً ، فهل سيتمر الحرس الوطني بالإشراف على الجنادرية إلى مشاء الله؟ وهل جهة عسكرية لها مهامها الوطنية المعروفة هي المخولة بالإشراف على مهرجان تراثي ثقافي ؟ هل تستساغ الدعوة من جهة عسكرية لأديب أو شاعر أو فنان تشكيلي؟ إلى متى سيستمر مهرجان أم رقيبة على هذا المنوال في التنظيم والتمويل والتحكيم وطول الفترة الزمنية ؟وماهي الحلول لكبح جماح التعصب القبلي المصاحب؟ هل سيستمر سوق عكاظ لو تبوأ الأمير خالد الفيصل منصباً آخر؟ أو على أقل تقدير هل سيستمر السوق بهذا الزخم والهالة؟ طال الأمد أو قصر ، لابد من جهة مختصة تربط بها هذه المهرجانات، جهة تكون قادرة على مواكبة المتغيرات، جديرة بالتنظيم المحترف والتعاطي مع الجميع داخليا وخارجياً، جهة تكون قادرة على إسناد التمويل إلى القطاع الخاص والرعاة التجاريون، فمثل هذه المهرجانات جدير بأن يكون رافداً للاقتصاد الوطني ولخزينة الدولة كماهو في مهرجانات الدول المتقدمة ، لا مستنزفتاً للموارد المالية ، وللموارد البشرية التي تقوم بعمل ليس من صلب مهامها. لابد أن تخرج هذه المهرجانات من رتابتها وتكرار فقراتها ، وتنوع الشخصيات المدعوّة لحضورها ، وأن ينظر في بعض سلبيات وسلوكيات زوارها . ولن يتم ذلك إلا بإسناد المهام إلى أصحاب الاختصاص وإعطاء القوس باريها.