رسالة خاصة إلى ابني الغائب ابني الغائب السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أجهدني التفكير فيك وأعيتني كل السبل في الوصول إليك ، لا أصدق أنك تناسيتني بهذه السهولة وتناسيت بيتك الدافئ الكبير الحنون ، هل نسيت كل ما بيننا يا بني؟ ألا تتذكر شوارع الفرعة وشعاب مشروفة ؟ هل ما زلت تتذكر مفالي الحلال ومسارح الغنم؟ آه يا بني كم ينتابني ذاك الشعور المفرح وأنا أتذكر شجارك مع إخوتك على رمان الحرجة وعلى "مطيان لآهمه" وعلى "دجر الحدباء" . وكم ينتابني ذاك الشعور المحزن عندما أخبرت أنك أصبحت تتأفف من كلمة "حماط" و "فركس" بعدما كنت تعطي البشائر على جنيها بنفسك . الله أكبر يا بني هل قلبك مصنوع من الحديد؟!!! هل قضت المدينة على إحساسك وشعورك وانتمائك؟، ألا تحن إلى بيت والدك وحصن جدك ومراكض خيل أجدادك ومبارك إبل أسلافك ؟. ألا تشدك عواطفك الدفينة إلى مزرعتكم بحافة الوادي؟ ، وإلى المنحى القديم وما يغطيه من أشجار العنب؟ ، هل نسيت حرث الأرض وتسويتها؟ هل نسيت الهجلة والركض وراء البقر ؟ ابني العام الفائت عاد إليّ صديقك الحميم وزميل دراستك السابق ، عاد بعد غياب طويل ، لم يعرفني إلا عن طريق وسيط ، لم يستطع تذكر تلك الزوايا الهادئة ، لم يجد طريقاً لبئر والده المندثرة ، حاول التعرف على نخلة تحمل اسم جدته فلم يفلح في التمييز بين جذوع النخل ، أما القلوب فقد انتكست مع انتكاسة أصحابها. إلا أن المفرح جداً أن صاحبك قرر البقاء والإقامة ، كم كانت فرحتي وسعادتي وأنا أشاهد ابنه ينحب من البكاء متوسلاً في البقاء وعدم العودة إلى "قبر المدينة" ، يا لها من سعادة غامرة وأنا اسمع ابنته وهي تقول: الوصول إلى الجامعة في أبها أسهل وآمن من الوصول إلى جامعة الملك سعود من بيتنا في الرياض. ابني العزيز ألم يحن قلبك ؟ ألم تتحرك عواطفك؟ ألم تلحظ على اقل تقدير الفرق بين أبنائك وأبنائي البررة ، ألم ترى كيف يجلس ابنك في المجلس ؟ ألا ترى طريقة كلامه ؟ ألم يخبرك الآخرون أنني منعت البناطيل والثياب المخصرة عن ناسي ومن فوق أرضي. كم أنت عاق يا بني !! الفرصة الوحيدة التي حاولت التقرب إلي فيها هي عندما تقدمت للحصول على أرض سكنية ، لقد زرعت الأمل في داخلي ولكنك في الأخير قتلته عندما بعت هذه الأرض مقابل ثمن بخس ، والأمر والأدهى انك رفضت بيعها على أخيك من الرضاع وفضلت الدولار القادم من دبي والدوحة . ابني الغالي ها أنت اليوم في منصب عال ، ومكانة مرموقة ، واسم لامع وأبناؤك من حملة الشهادات العليا ، فماذا قدمت لي ولأهلي وعشيرتي ؟ ألا ينتابك شعور بالخجل عندما يزورك أحبابي وشيوخي فيكون جهدك فقط في إرشادهم إلى الوزارة أو مكتب الوزير؟ ابني ومهجة روحي ارجع إليّ عاجلاً ، عد لتتعرف على حي النزهة وحي المنهل والنسيم ، تعال لنتجول في شارع البارودي وحسان بن ثابت وحمد الجاسر ، عد لتتعرف على بقايا شارع الجمعة ، قبل أن تصل يد المخططين والمهندسين إليه ، عد قبل أن يتغير الاسم إلى شارع النسيان وشارع الأمل المفقود. مع تحيات محبك المخلص طريب الكاتب /حسين بن علي الفهري